|
امرأة ذات قدرات خارقة في فترة ما قبل الميلاد لقبت بزرقاء اليمامة اختيار الصورة ريم أبو فخر |
- نحن كبشر متشابهين بالقدرات والصفات والحواس، لكن مع وجود اختلافات بسيطة بين الأشخاص، حيث ترى حاسة أو صفة عند شخص تكون أقوى أو أضعف من شخص آخر بنسبة بسيطة، ولكن هناك بشر موجودين بيننا لديهم طفرة كبيرة بالمواصفات البشرية، جعلتهم أشبه بالأبطال الذين نراهم في الأفلام ذو القوى الخارقة.
- قصتنا اليوم عن شخص يمتلك قدرات خارقة، وكانت قدرته أن يرى بعينيه لمسافة تصل إلى ١٢٠كيلو متر، وفي حساب المسافة حسب الزمن الذي كان يعيش فيه هذا الشخص، فقد كان يرى لمسافة تعادل مسير ثلاثة أيام.
- وبطل قصتنا الخارق امرأة كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية، والتي عاشت في فترة ما قبل الميلاد، واسم هذه المرأة |زرقاء اليمامة|.
المحيط الذي نشأت فيه
- وقبل أن ندخل في صلب الموضوع يجب أن نتحدث قليلاً عن محيطها، في مدينة في شبه الجزيرة العربية يطلق عليها اسم اليمامة، وكان يسكن هذه المدينة قبيلتان وهما قبيلة |جديس| وقبيلة |طسم|، وكان هناك رجل وامرأة من قبيلة جديس تزوجوا وأنجبوا طفل جميل جداً.
مرت الأيام على هذين الزوجان وحصل بينهما خلافات ومشاكل انتهت بالطلاق والانفصال، وتفاقمت المشاكل بينهما على تربية الطفل، وكل واحد منهم يريد تربية الطفل عنده، وفي نهاية المطاف قرروا الذهاب لملك المدينة ليحكم بينهم.
كان ملك هذه المدينة من قبيلة طسم، وكان اسمه |الملك عمليق|.
حكم الملك الجائر
- دخل الزوجان على الملك وأخبروه بقصتهم، طلب منهم الملك أن يدلي كل واحد منهما بحجته حتى يقنع الملك بأن يحكم له بالطفل، فقامت الأم وقالت أيها الملك: لقد حملته تسعاً ووضعته دفعاً وأرضعته شفعاً (أي عامين)، حتى إذا تمت أوصاله ودنت فصاله، أراد أن يأخذه مني كرهاً ويتركني من بعده ورهاً(أي كثيرة الشحم).
فطلب الملك من الأب أن يدلي بحجته، فقال له: لقد أعطيت مهراً كاملاً ولم أصب منها طائلاً إلا ولداً خاملاً فافعل ماكنت فاعلاً.
-قام الملك عمليق بعد أن سمع حجة الأبوين، وطلب أن يرى ذلك الطفل، وعندما حمله نظر إليه فرآه جميل الوجه، ونادى أحد حراسه وأعطاه الطفل، وأمره بأنه يضعه مع الغلمان.
نظر الأب والأم باستغراب للملك، الذي أمرهم بالخروج من مجلسه ولن يحصل أي منكما على الطفل.
- وقد كان هذا الحكم ظالم من قبل الملك، وليس هناك أي حكمة من هذا التصرف، فقد كان تصرف بدون تفكير بسبب قوة حجتيهما حيث وجد نفسه عاجزاً عن الحكم، فحزنت الأم من حكم الملك الجائر وقبل أن تخرج من مجلسه قالت له:
(أتينا أخا طسم ليحكم بيننا
فأتانا حكماً في الهزيلة ظالما
لعمري لقد حكّمت لا متورعا
ولا كنت فيما يبرم الحكم عالما
ندمت ولم أندم وإني بعثرتي
وأصبح بعلي في الحكومة نادما ).
- وفكر الملك عمليق كثيراً في هذه الأبيات، وتأكد بأنها قامت بهجائه بقوة، فقرر أن ينتقم منها ومن كل نساء قبيلة جديس، فأصدر قانون شنيع وظالم جداً، وهو أن أي فتاة بكر من فتيات قبيلة جديس تريد الزواج يجب أن يدخل عليها الملك أولاً قبل زوجها، ولم يكن لدى رجال هذه القبيلة القوة والعدد الكافي ليتمردا على الملك عمليق.
|
امرأة ذات قدرات خارقة في فترة ما قبل الميلاد لقبت بزرقاء اليمامة اختيار الصورة ريم أبو فخر |
- وبعد الحكم الجائر من هذا الملك وخضوع أهل القبيلة لحكمه، بسبب افتقارهم للعدد والقوة، ومرت الأيام وظل هذا الحكم قائماً بحد السيف، إلى أن جاء اليوم الذي خطبت فيه أخت كبير وسيد قبيلة جديس الأسود بن غفار.
الأحداث التي حصلت ليلة الزواج
-تم تحديد موعد الزواج وبدأت التجهيزات والتحضيرات لمراسم الزفاف، وقام رجال |الأسود بن غفار| بتذكيره بقانون الملك، ولم يكن باليد حيلة سوى أن يأخذ أخته إلى قصر الملك ليتم الأمر، وبعد ذلك تذهب إلى منزل زوجها.
- ودخلت الفتاة قصر الملك، وأول ما حاول الملك عمليق الاقتراب من الفتاة، تفاجئ بردة فعلها فلم تكن الفتاة متقبلة للأمر أبداً، وعندما حاول أن يجبرها حملت عصا كانت على مقربة منها وضربت الملك على رأسه والذي سقط على الأرض وهو ينزف دماً، وخرجت الفتاة مسرعة من قصر الملك وعادت إلى قبيلتها.
هروب الفتاة إلى قبيلتها
- وعندما وصلت لقبيلتها بدأت تصرخ وتعبر عن غضبها وخزيها والعار الذي لحق بها لأنها ابنة هذه القبيلة، وكانت تصرخ وتسأل أخاها كيف يرضى على نفسه أن يفعل بأخته هكذا، وتنادي بأعلى صوتها على رجال قبيلتها أين شرفكم ونخوتكم ورجولتكم.
- ومع كلمات الفتاة التي تتهم رجال القبيلة بالذل والإهانة وانعدام الرجولة، جن جنون الأسود بن غفار فقرر أن ينتقم من الملك عمليق بسبب هذا القانون الشنيع، الذي تم تطبيقه على أخته وعلى جميع فتيات القبيلة.
خطة الأسود بن غفار
- بدأ بتجهيز خطته للانتقام من الملك عمليق ملك قبيلتي طسم وجديس، ملك |مدينة اليمامة|، واستعادت كرامة رجال القبيلة وشرف نسائها، وكانت خطته أن يقوم بدعوة الملك للمصالحة ومبادرة منه واعتذار عن الفعل الذي قامت به أخته، وأرسل رسول من قبيلته يحمل دعوته للملك وجنوده ورجال مدينة طسم.
- وقبل أن يأتي موعد الوليمة بيوم واحد، اجتمع الأسود بن غفار مع جميع رجال قبيلة جديس، وأخبرهم بأن الخطة سيتم تنفيذها بعد انتهائهم من الطعام وخمول أجسادهم، على الفور تخرجون سيوفكم وتقتلوهم الواحد تلو الآخر.
تنفيذ الخطة
-أتى موعد الوليمة وجاء الملك عمليق ومعه رجاله وجنوده، وبدأوا بتناول الطعام وعندما انتهوا، بدأت الأرض والسماء تبرق من كثرة السيوف، ولم يروا سوى قطع الرؤوس والدماء المتناثرة، وكان كل رجل من قبيلة جديس يمسك برجل من قبيلة طسم ويقطع رأسه.
- حتى وصل الأسود بن غفار إلى الملك عمليق، وقتله وقطع رأسه، وأثناء هذه المذبحة التي كانت تحصل هرب رجل من أبناء قبيلة طسم يقال له |رياح بن مره| باتجاه اليمن، تحديداً إلى حُمير وتحديداً إلى التبع اليماني وهو أحد ملوك اليمن، وتمكن أن ينجو من هذه المجزرة التي قام بها رجال قبيلة جديس.
ولكن ما سبب اتجاه رياح بن مرة إلى اليمن؟
|
امرأة ذات قدرات خارقة في فترة ما قبل الميلاد لقبت بزرقاء اليمامة اختيار الصورة ريم أبو فخر |
خطة رياح بن مره
- كان |ملك اليمن| في ذلك الوقت |التبع اليماني| وهو الحسان بن تبع، ولم يكن هدف رياح بن مره هو الاستنجاد وطلب الحماية أو هرباً من بطش رجال قبيلة جديس، وإنما كان لديه خطة وهدف محدد، فقد كان على علم بأن التبع اليماني كان الصديق المقرب للملك عمليق، وكانت غايته الاستنجاد بالملك وأخذ الثأر لقبيلته من قبيلة جديس.
ردة فعل التبع اليماني
- دخل رياح بن مره عند التبع اليماني، وأخبره عن مقتل صديقه الملك عمليق، وعن المذبحة التي قام بها رجال قبيلة جديس وقطع الرؤوس بدون رحمة.
صعق الملك من هذا الخبر ووعد بأن يجهز جيشه في اليوم التالي وأن يكون على رأس جيشه ليمحي قبيلة جديس عن بكرة أبيها ويأخذ بالثأر لمقتل صديقه.
- هنا استوقفه رياح بن مره وأخبره بأن عليه أن يحذره من أمر قبل ذهابه بجيشه لقبيلة جديس، وهو أنه أخته متزوجة من رجل من هذه القبيلة، والمشكلة أنها تملك القدرة على الرؤية مسافة مسير ثلاثة أيام، وبذلك ستتمكن من كشف جيشك القادم للثأر، وهنا ضحك التبع اليماني وكان غير مصدقاً لكلامه، قال له رياح هل سمعت من قبل بزرقاء اليمامة وقوة بصرها؟ أجابه الملك اليماني: نعم، هنا أخبره رياح بأن أخته هي زرقاء اليمامة، وفي تلك اللحظة فهم التبع اليماني التحذير وفهم مقصده من ذلك.
زرقاء اليمامة وما أدراك ما زرقاء اليمامة
- امرأة متزوجة من رجل من قبيلة جديس، وتسكن في مدينة اليمامة (جو تسمية قديمة)، وسميت زرقاء بسبب لون عينيها كما كان يقال، وفي مقولة أخرى لأن السواد كان يطغى على بياض عينيها، وتم تغيير اسم المدينة من جو إلى اليمامة نسبة لزرقاء المدينة، والتي كانت تعتبر أحد معالم المدينة.
كانت تملك |حدة بصر قوية| جداً، لدرجة أنها كانت تستطيع أن ترى الشعرة البيضاء في اللبن الأبيض، وكانت تكشف الطريق مسافة مسير ثلاثة أيام، والذي يقدر بوقتنا الحالي ١٢٠٠كيلومتر، وكانت في مدينتها كالرادار وسلاح الأمان، وكانت مهمتها أن تخرج كل صباح، وتنظر إلى حدود المدينة وترى هل هناك جيش قادم أو خطر محدق سيحل بهم، فكانت تخبر رجال القبائل يجهزوا أنفسهم وعتادهم وأسلحتهم لمواجهة ما هو قادم.
خطة رياح بن مره والتبع اليماني
-قرر التبع اليماني وضع خطة بمساعدة رياح بن مره، بحيث يتمكن رجال الملك من غزو قبيلة جديس من دون أن تلاحظ قدومهم زرقاء اليمامة.
طلب منه رياح أن يأمر جنوده بقطع شجرة موازية لطول جسدهم ويحملونها معهم طول الطريق، وتحرك جيش التبع اليماني ومعه رياح بن مرة نحو مدينة اليمامة، وكان كل جندي يحمل معه شجرة موازية له بالطول.
هل ستنجح هذه الخطة؟
أم أن قبيلة جديس ستكون مترقبة؟
|
امرأة ذات قدرات خارقة في فترة ما قبل الميلاد لقبت بزرقاء اليمامة اختيار الصورة ريم أبو فخر |
مراقبة زرقاء اليمامة لحدود المدينة
- أقامت قبيلة جديس الاحتفالات فرحاً بانتصارهم الساحق على الملك عمليق، واستيلائهم على حكم مدينة اليمامة، وكانت زرقاء اليمامة كعادتها تمشي وتراقب حدود المدينة، وفجأةً لفت نظرها شيء غريب جداً، ولم ترى مثل هذا الشيء في حياتها أبداً، ففزعت مما رأت وعلى الفور ذهبت عند الأسود بن غفار، وقالت له لقد رأيت شجراً يتحرك باتجاهنا ولم أرى مثله قط، وهو على بعد حوالي ثلاثة أيام من مدينتنا.
-لم يصدق كلامها أحد بالرغم من اعتمادهم عليها في هذه الأمور، إلا أنهم اعتبروا أن كلامها ضرباً من الجنون، ونظروا إليها على أنها كبرت في العمر، فقالت لهم لقد أخبرتكم ما رأيت وباقي الأمر عندكم، لكنني أشعر أن وراء هذا |الشجر| أمر سيء سيحدث.
- وفي صباح اليوم التالي خرجت زرقاء اليمامة كعادتها تناظر حدود مدينتها وتستكشف إذا كان هناك خطر يقترب، وذهبت بالتحديد لنفس المكان الذي رأت فيه الشجر، وبدأت تراقب وفجأة لاحظت أن الشجر يقترب أكثر وأكثر، وبدأت تشعر بالريبة مما تراه، فهذا الشجر لم يكن موجود من قبل ومن المستحيل أن يصبح بهذا الحجم بين ليلة وضحاها، وكيف كان على بعد مسافة معينة واقترب في هذا اليوم، والشيء الأكثر دهشة أنه يتحرك.
- عادت زرقاء اليمامة إلى ديوان الأسود بن غفار، وقالت له أن الشجر الذي رأته الليلة الفائتة اقترب أكثر، وأن مصيبة ستحدث عند اقترابه من المدينة ولن يبقى فيها أحد على قيد الحياة، وقد بقي يوم واحد لوصوله للمدينة ولكم الحرية في تصديق ما أقوله.
- وبالطبع فإن هذا الشجر الذي كان يتحرك هو جيش التبع اليماني، وكان كل واحد منهم يمسك بشجرة حتى إذا ما رأتهم زرقاء اليمامة تعتقد أنها مجرد أشجار، وبالفعل نجحت خطتهم، بالرغم أنهم لم يستطيعوا خداع زرقاء اليمامة، إلا أنهم استطاعوا خداع رجال القبيلة بسبب عدم تصديقهم لها وسوء الفهم الذي حصل بينهم.
- وصل جيش التبع اليماني إلى المدينة وجرت بينهم معركة كبيرة جداً، وقضوا على قبيلة جديس وبالفعل لم يبقى منهم أحد.
مصير زرقاء اليمامة
بعد ما دخل التبع اليماني المدينة واستولى عليها وقضى على رجالها، أمر بإحضار زرقاء اليمامة، وعندما رآها لاحظ وجود عروق سوداء على عينيها، فسألها عن ذلك.
قالت له: أن هذا حجر يقال له الأثمد أضعه على عيناي ليقوي البصر، ويقال بأنها أول امرأة تضع الكحل على عينيها، وهنا أخبرها التبع اليماني بأنها امرأة رائعة ولديها قدرات قد تضره مستقبلاً إذا ما أراد الهجوم على هذه المدينة مرةً أخرى.
-أمر التبع اليماني ب |فقأ عينيها| ويقال بأنه احتفظ بهما، وبعد ما حدث لها ماتت زرقاء اليمامة فوراً، وبعد ذلك تم تغيير اسم المدينة والتي كانت تسمى جو إلى اليمامة نسبةً لزرقاء اليمامة.
وهذه هي قصة زرقاء اليمامة شاركونا رأيكم في التعليقات.
أم أن قبيلة جديس ستكون مترقبة؟
بقلمي: تهاني الشويكي
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك