من الجواري إلى السلطة المطلقة وصولاً إلى النهاية المأساوية اختيار الصورة ريم أبو فخر |
فكل صعود حتماً سيقابله هبوط.
احذروا هذا الهبوط.
سنتحدّث في هذا المقال عن امرأة كانت بالفعل من أشهر نساء العرب وبشكل خاص المسلمين.
امرأة قصّتها بدأت من عنابر الخدم للأسف والجواري، فانتقلت إلى قصور الملوك والسلاطين، ومنها إلى أمجاد الانتصارات الخالدة، فالسلطة المطلقة وصولاً إلى النهاية المأساوية بطريقة لن تخطر على بال أحدكم.
السلطانة |شجرة الدر|.
هل تعلم ما هي قصتها؟؟
حاملة لقب عصمة الدين وأم خليل.
|جارية| مجهولة الأصل، وقيل أنها أرمينية، أو شركسية، أو حتى خوارزمية، ليس الأصل هو المجهول فقط بل حتى الاسم وتاريخ الولادة والوفاة، ففي حين أننا لم نجد تاريخاً محدداً لولادتها، وجدنا أكثر من تاريخ لوفاتها، إلا أن الأغلب هو الثالث من مايو عام 1257م.
بداية ذكر شجرة الدر يعود إلى العام 1239
ففي هذا العام وقعت عين |الملك الأيوبي| الصالح نجم الدين أيوب على جارية حسناء، فقام من فوره بشرائها، وضمّها إلى الجواري الملكيّة، استطاعت الجارية آنذاك شجرة الدر استغلال جمالها وذكائها في الوصول إلى قلب السلطان الأيوبي، فأصبحت كالنفس الذي لا يفارقه في كل أوقاته حرباً كانت أم سلماً، حتى أنها كانت معه في فترة الاعتقال الذي تعرّض له، ومن بعدها ذهبت معه إلى مصر، حيث أعلن هذا الملك زواجه منها، وخصوصاً بعد إنجابه لصبي منها اسمه خليل، وبهذا تكون شجرة الدر خرجت من عباءة الجواري، وارتدت عباءة الأحرار، إلا أن سعادتها بولدها لم تدم طويلاً، فالصبي مات صغيراً، أصبح الملك الصالح سلطاناً على مصر، وبالطبع كانت شجرة الدر إلى جانبه، لم يقتصر بقاء شجرة الدر مع زوجها في القصر في مصر لكي تتنعم بالحياة والرفاهية، بل أنها رافقته حتى في جولات حروبه، وبالأخص لصد الحملات الصليبية عن أرض مصر وصولاً إلى آخرها، وفي هذه الحملة كان لشجرة الدر الدور الأكبر في انتصار المسلمين، الذي حصل أنه خلال مواجهة الجيش الإسلامي للحملة الصليبية بشكل خاص السابعة، والتي كانت بقيادة لويس التاسع توفي السلطان الصالح.
فما الذي فعلته شجرة الدر برأيكم
قامت باستدعاء قائد الجيش العظيم الأمير |فخر الدين يوسف| بسريّة تامّة، وأخبرته بوفاة السلطان، وعزمها على عدم إشاعة الخبر في هذا الوقت العصيب خوفاً من إحباط عزائم الجيش الذي يتعرّض للهجمات العنيفة، وكان ما أرادته، فلم يعلم أحد بموت السلطان الذي نقل ودفن سراً في مدفنه.
وإن كنتم تتساءلون كيف لم يلحظ أحد هذا الغياب؟؟
إليكم الجواب:
شجرة الدر وبحكم تمرّسها أمور السلطنة، والحكم بعد مرافقتها لزوجها استطاعت الحصول على ختمه، وإتقان توقيعه، فقامت بتسيير كل الأمور التي تستوجب إمضاء السلطان، بل وأنها كانت تأمر الخدم دائماً بأن يحضروا الطعام ويضعوه أمام باب غرفة السلطان دون أن يدخلوا، والحجة التي قدّمتها للجميع حتى لوزرائه أن السلطان يشعر بالتعب، وأمر بأن لا يدخل أحد إليه.
فما الذي حدث بعدها؟؟
من الجواري إلى السلطة المطلقة وصولاً إلى النهاية المأساوية اختيار الصورة ريم أبو فخر |
ليتولى قيادة الجيش من بعده، وبأمر من شجرة الدر |ركن الدين بيبرس|.
بيبرس وشجرة الدر قاموا بوضع مكيدة قد أوقعت |الصليبيين| في شر أعمالهم، وأوقعت قائد حملتهم الذي كان الملك لويس التاسع في الأسر، باختصار استدرج الجيش المصري الصليبيين إلى داخل المنصورة التي كان يعمّها الهدوء التام، وذلك بأمر من بيبرس لإلهام الجيش الصليبي أنها فارغة، وفور دخول الصليبين المنصورة وقعوا بين فكّي الكماشة، فأحيطوا من كل الحواري والأزقّة، ولم يعلموا من أي مكان يخرج المقاتلون.
بعد هزيمة الصليبيين في المنصورة أرسلت شجرة الدر إلى |توران شاه| ابن زوجها الصالح أيوب ليتوّلى الحكم خلفاً لأبيه عقب إعلان وفاة الملك الصالح.
بعد أن أبرزت أمراً ملكياً ممهوراً بختم السلطان وعليه توقيعه.
طبعاً هذا الأمر كان من شجرة الدر.
وصل توران شاه والذي كان منتظراً منه أن يحفظ لزوجة أبيه فضلها في إدارة الحكم بعد موت أبيه، وأن يقيم وزناً للمماليك نتيجة دورهم في هزيمة الحملة الصليبية إلا أن العكس حدث.
الرجل أخذ يهدد ويتوعد بقتل زوجة أبيه، وطلب منها الأموال والمجوهرات التي هي برأيه حقه من ورثة أبيه، أما المماليك تعرضوا للظلم على يده، وجردوا من المناصب، والمآثر التي استحصلوا عليها من السلطان الراحل، وشجرة الدر من بعده، وصل به الأمر إلى حد التخطيط لقتل أمرائهم والتخلص منهم، إلا أن جماعة المماليك كانت الأسرع في التخلص من توران شاه، فقتل توران شاه على يد كل من ركن البيبرس فارس الدين أقطاي، وعز الدين أيبك التركماني.
قتل الملك ولا وريث فما الحل
كان الحل عند المماليك أن يبايعوا من أظهرت صلابتها وقوتها في أوقات الشدة.
كانت البيعة لشجرة الدر لتصبح بذلك |أول سلطانة| تحكم في الشرق الأوسط.
أول عمل قامت به شجرة الدر هو نقش العبارة التالية على العملات المعدنية ( ملكة المسلمين، ووالدة خليل أمير المؤمنين. )
تابعت شجرة الدر تصفية الوجود الصليبي، وعقدت اتفاقاً مع الملك المأسور لويس التاسع، وقد عدّه المؤرخون الصليبيون اتفاق ذل وعار، حيث أنها استحصلت منه على فدية كبيرة، وأمرته من بعدها بالرحيل من البلاد الإسلامية، والتعهد بعدم العودة مرة أخرى مقابل الإفراج عنه، وكان لها ما أرادت بالفعل.
استمر حكم شجرة الدر، ما يقارب ثلاثة شهور، أو على أقل تقدير ال80 يوماً قبل أن تبدأ الأصوات المعارضة تنطق برحيلها، فبدأت المظاهرات الغاضبة التي تطلب تنحيتها عن العرش، فقالوا لا يمكن لامرأة أن تستلم شؤون البلاد، وهذا هو الأمر المستنكر والمخالف للشرع آنذاك.
هل تعتقدون أن الأمر اختلف في زمننا هذا؟
وماذا حدث مع شجرة الدر من بعدها؟؟؟
من الجواري إلى السلطة المطلقة وصولاً إلى النهاية المأساوية اختيار الصورة ريم أبو فخر |
إن كانت الرجال قد عدمت عندكم، فأعلمونا بذلك حتى نسيّر إليكم رجالاً، أمام هذا الواقع المعارض الشديد، والرافض لحكم شجرة الدر نهائياً، لم يكن على شجرة الدر حينها إلا التنازل عن العرش ل |عز الدين أيبك| الذي كان قائد العسكر، والذي كانت قد تزوجته في بداية حكمها، وكما خمّنتم بالفعل فعز الدين أيبك لم يكن إلا عبارة عن واجهة للحكم. والأمر كله كان بيد وسيطرة شجرة الدر، والتي قد هام بها أيبك غراماً، وصل هيام أيبك بزوجته إلى حد أنه أطاع في مطلبها ألا يرى أحداً، أو يقوم بزيارة أي أحد، وفي بعض المصادر قيل أنها طلبت منه بأن يطلّق زوجته الأولى وأم ولده، والتي كانت مدعوّة بأم علي.
تذكروا هذا الاسم جيداً، فله دور مهم في قصتنا.
ومن بعدها قامت شجرة الدر بالتخلّص من القائد أقطاي، وكان ذلك من خلال مساعدة زوجها بسبب الكثير من المخاطر التي كان يسببها لهم، إلا أن سطوة الحكم قد غلبت على العشق والهيام.
هل كنت تتوقع ذلك؟؟؟
لقد تغير حال أيبك وكل شعوره فماذا حدث
بدأ أيبك بالنفور من شجرة الدر، ومن ثم مخالفة كل أوامرها، ووصل به الأمر إلى درجة قد ترك فيها القلعة بالكامل، وحتى أنه قد انتقل للسكن في مكان بعيد في منطقة كانت تسمى مناظر اللوق، وأرسل من يبلغها بأنه سوف يقصيها عن الحكم، وبأن الأمر الأول والأخير بكل تأكيد بعد الآن في الحكم هو له فقط.
كل هذا لم يتمكن من أن يثير الضغينة الكبرى في قلب شجرة الدر، إلا أن سعي أيبك للزواج من جديد من ابنة بدر الدين لؤلؤ، الذي كان حاكم الموصل كانت هي القشة التي استطاعت أن تقسم ظهر البعير بالفعل، فشجرة الدر لم تقبل أن يصنع بها ما صنعته هي من قبل بضرتها، لذلك قالت بأن التخلص من الملك أيبك قد أصبح أمراً لازماً بالفعل.
فما هو الأسلوب الذي اتبعته شجرة الدر
استعملت من بعدها شجرة الدر الحيلة، وأرسلت إلى أيبك رسالة تقصدت من خلالها أن تستلطفه وتستعطفه، وتخبره بأنها رهن أمره تماماً، وبأنه هو الملك المطلق، وظلّت تحلّفه أن يعود إلى القلعة من جديد حتى كان لها ما أرادت بالفعل، وعاد أيبك للقلعة من جديد، ولكن عندما عاد أيبك إلى القلعة كانت شجرة الدر قد أعدّت العدة لقتله سراً، وبالفعل وبمساعدة خمسة من الرجال المخلصين لها قامت شجرة الدر بقتل أيبك، وأشاعت بعدها بين |أمراء المماليك| أنه قد مات فجأة، ولكن الخدعة لم تدم فالأخبار وصلت إلى أمراء المماليك.
ماذا حدث ل شجرة الدر بعدها؟؟
من الجواري إلى السلطة المطلقة وصولاً إلى النهاية المأساوية اختيار الصورة ريم أبو فخر |
ألقى المماليك القبض على شجرة الدر، وحبسوها في البرج الأحمر في قلعة الجبل.
فهل تظنون أن الأمر انتهى؟؟
وأن شجرة الدر ماتت في سجنها؟؟
أنتم جداً مخطئون.
كيف ماتت شجرة الدر
تولّى الحكم بعد أيبك ولده |نور الدين علي| بن المعز أيبك، ابن الزوجة الأولى التي ظلمتها كثيراً شجرة الدر، والآن أصبح الدور لأم علي كي تقتص من غريمتها، فأرسلت لابنها تطلب منه تسليمها شجرة الدر، فكان لها ذلك بالفعل، ومن بعد ذلك قد وصلت شجرة الدر إلى مكان إقامة |أم علي|، فوجدت هناك ما لم يكن في الحسبان بانتظارها.
كانت تقف الجواري كل واحدة تحمل قبقاباً خشبياً أي حذاء مصنوع من الخشب في يدها، وعند إشارة أم علي هنا انهالت جميع الجواري بالضرب على شجرة الدر حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، لتأمر بعدها أم علي برميها من فوق أسوار القلعة، وهي شبه عارية لتبقى بدون دفن بعدها لعدة أيام.
بعد ذلك تم دفن شجرة الدر في القبر قرب السيدة نفيسة، وكان ذلك بين حارات ومنازل المنطقة.
إلا أن الدراسات والتاريخ يشيران إلى أن شجرة الدر كانت قد بنت ضريحها الخاص، وزيّنته بالفسيفساء والأحجار والنقوش الإسلامية، وعبارات تدل بصريح العبارة إلى من كانت من المفترض أن تقطن هذا الضريح، إلا أن الحقد الذي قوبلت به ممن حولها قد منع دفنها بذلك الضريح، ليدفن فيه أحد الخلفاء العباسيين بعد موتها بعقود، وبذلك تنتهي قصة الجارية التي تقلدت مفاتيح الحكم في العلن والخفاء، وانتهت حياتها للأسف الشديد على يد الجواري التي كانت هي إحداهن يوماً ما.
القصة المثيرة للدهشة، القصة التي أرتنا أن تصميم الإنسان القوي، وسعيه الدائم لا بد حتماً أن يوصله إلى مراده.
وتعلمنا منها أنه بقليل من الحكمة والدراية، نستطيع كأفراد أو كأمّة مواجهة أي نوع من أنواع الاستبداد، وما أكثرها تلك التي نتعرض لها في يومنا هذا، وفي المقابل والأهم من هذا كلّه هي قصة توضح لنا ما يمكن لجنون العظمة المخيف، وحب السلطة المرعب أن يوصل صاحبه إليه، فيصبح الظلم والتجبر والقتل هدفه، ولكن لا بد أن تعود أفعال هذا المهووس بالسلطة كائن من يكون عليه بالفعل.
أليس الجزاء حقاً من جنس العمل!
هذه سنن الكون بالطبع، وحقاً الله يمهل بالفعل ولا يهمل.
هذا تاريخ كامل يوثق ما قلنا، بحكايا ووقائع لكم فيه عبرة مهمة.
ما رأيك في أحداث هذه القصة؟؟
هل كنت تتوقع أن نهاية شجرة الدر هكذا؟
وأنها ستموت على يد جواري؟؟
إذا أعجبك موضوع المقال، شاركنا رأيك في التعليقات
بقلمي: دارين عباس
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك