الممرضة الوهمية ترتعش من الحياة تنسيق الصورة : رزان الحموي |
صراخٌ وهلعٌ في المكان ..
صرخاتٌ تتبعها الأخرى ، تتنافس مع البكاء وتتخبط ما بينها وبين الخوف من الفقدان .
كنتُ أقف أمام مكتب التبرع بالدم كي آخذ كيساً أحمراً بات منظره طبيعياً لعقلي ..
والمرضى حولي تتبعثر يمنى ويسرى ، تأنُّ من عذاب |الألم| ، وآخرون يخبطون أقدامهم ورؤوسهم ..
كان أيضاً مشهداً طبيعياً .. بل أكثر من الطبيعي بمراحل متقدّمة ..
اقتحم زوايا القهر والأوجاع صوتٌ رجولي يرتعش من هول الحقيقة
يحمل بين يديه فتاةٌ عشرينيّة ، يصرخ للممرضات والممرضين ..
ويشلُّ حركتي ، بل وإنسانيتي ، والصرخة المكتومة من كلِّ المرضى ..
تختنق الكلمات بين عثرات الحروف ، ويخرج الصوت من جبِّ القهر :
أنقذوها .. أرجوكم .. أنقذوها ..
لتأتي نقالة الإسعاف وتتراكض بين الناس ..
ليكمل :
قبل ستة أشهر أحضرتُ ابنتي الأولى إلى هنا ..
لم تستطعوا اللحاق بها .. ماتت هنا .. بين أيديكم ..
توقف آخذاً معه هواء الذكريات القاتلة :
أرجوكم أنقذوا ابنتي الثانية ولا تدعوها تموت !!!
مساميرٌ خفيّة ثبتت الجميع على الأرض ، بينما كانت أقدامي ترتعش ، فاستطعتُ تحريكها نحو تلك الملاك النائم ..
أعدتُ الزمن ينساب بيننا عندما جررتُ تلك النقالة ، كان يجري معنا وكأنه |الطبيب| الأساسي .. وكأنه يريد أن يهب روحه النادمة لقطعة سنينه ..
أدخلناها إلى غرفة العلميات
كانت |الخفقات القلبيّة| تتباطئ مع كل صقعة كهربائيّة ، والجسد ينتفض مع كل دمعة ندبيّة ..
كنت أتحرك بسرعةٍ خارقة ، دون فعل أي شيء ، أو تحديد أي وجهة طبيّة معينة .. والصوت يُعاد ضمن رأسي ..
كنت أريد إنقاذها ، وإنقاذ أختها ، وإنقاذ عائلة عائلتها .. وأنا أدور وأدور حول نفسي والأطباء .. والأهل ..
وحول حربٍ ما بين الحياة والموت ..
كنتُ أتمنى البقاء أكثر لأرى النتيجة النهائيّة ،لكنَّ الطبيب طردني فجأةً بجرم النقاء ..
حاولتُ معاركته ، ضربه بكل كرهي وحقدي للأمراض والمعقمات ، لكنه أبعدني .. أمسك المشرط وشطب جلد قلبي .. وقذفني إلى السماء .
وأنا أنظر لقطرات دمي المتطايرة والمتصاعدة ، بدأت أصرخ .. ولا أحد يسمعني سواي :
أنقذ أختي ...
شهد بكر
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك