ولد الأمريكي ستيفن بيدز بمتلازمة نادرة لا يُصاب بها إلا عشرات الأشخاص حول العالم، وتدعى هذه |المتلازمة| "عدم الشعور بالألم" قد يبدو شيئاً غريباً أن لا يشعر الإنسان بأي ألم، لكنها كانت عذاباً لستيفن والذي يبلغ من العمر ستة وثلاثون عاماً، لقد كُسرت قدمه في إحدى المرات ولم ينتبه لذلك الأمر إلى حين أن أبلغته زوجته أن قدمه لونها يميل إلى السواد وبدأت تتورم، وفي الواقع مع ازدياد الإصابات التي تعرضت لها دون أن ينتبه لها أخبره الأطباء أنهم قد يضطرون لبترها قريباً، وأكثر ما يخشاه هو التهاب الزائدة الدودية لديه وتنفجر، أو أن يتعرض إلى نوبة قلبية دون أن يشعر في ذلك، ولذلك كان مداوم على زيارات المستشفيات وعلى عمل فحوصات عامة باستمرار لكي يطمأن على صحته بشكل دائم.
- لماذا الألم يعتبر نعمة؟
افتقد ستيفن نعمة اسمها الألم فالألم في حقيقته نعمة لأنه تنبيه لنا إلى وجود خلل في جسم لكي نسارع إلى علاجه وتداركه، وبالتالي عندما نعاني من الإصابة يصل للجسم إشارة عصبية عبر شبكة من الأعصاب إلى |الدماغ|، ثم ينقل الدماغ إلى أطرافك لتنبهك أنك تبتعد عن مسبب الألم.
▪على سبيل المثال:
أن تبعد يدك بسرعة إذا لدعتك النار أو ترفع قدمك عندما تدخل فيها شوكة، وهذا كله يحدث في أجزاء من الثانية وبسرعة كبيرة جداً، لكن في بعض الأحيان يبقى عصب في جسمك يرسل ألم إلى دماغ دون توقف، وهذا ما يعرف بالألم المزمن، ويحدث ذلك لأن العصب في بعض الأحيان يكون تالف ومتضرر، وممكن أن يكون بسبب السكري أو العلاج الكيميائي أو إصابة فيروسية أو حادث سيارة أو غيرها من الأسباب.
- كيف أصبحت الأبحاث الحديثة تفحص المريض؟
الكثير من الأشخاص الذين لديهم ألم مزمن عندما يفحصهم الأطباء المنطقة التي تؤلمهم سواء كانت المفاصل أو أسفل الظهر أو العنق أو غيرها لا يعرفون ما هي الأسباب التي تؤدي إلى هذا الألم، وبدأت الأبحاث الحديثة في فحص الدماغ نفسه الذي يستقبل إشارات الألم لكي يعرفوا أين الخلل.
- ما هو مصدر الألم المزمن؟
قد يكون مصدره التعرض لجرح ما أو أذى أو إصابة في التهاب معين، ومع ذلك بعض الناس لديهم ألم مزمن دون اي إصابة سابقة.
- ما هو الفرق بين دماغ الشخص المصاب في الألم المزمن ودماغ الشخص السليم؟
أجرى فريق من العلماء في جامعة في شيكاغو دراسة على مدار ثلاث أعوام حيث شملت تلك الدراسة عينة مرضى |مصابين| بآلام مزمنة في أسفل الظهر، وبعد إجراء عدة فحوصات لأدمغتهم تبين أن أدمغتهم تختلف عن أدمغة الناس الأصحاء، لأن دماغ المصاب بالألم المزن يكون منكمش أكثر من الدماغ السليم وخاصة في منطقتين التي مسؤولة عن |الذاكرة| والمسؤولة عن العواطف، العلماء هنا اكتشفوا أن هاتين المنطقتين منكمشتين نسبة 10 إلى 15%.
ما هو الألم وكيف يمكنك التعامل معه؟
- بماذا تتميز أدمغة المصابين بالألم المزمن؟
إن أدمغة المصابين بالألم المزمن تتميز في نقص في المادة الرمادية بنسبة من 8 إلى 10% مقارنة بالأصحاء، وهذه المادة هي المكون الرئيسي |للجهاز العصبي| المركزي وتتكون من الخلايا العصبية وكذلك الخلايا الغير عصبية وفيها أغلب |خلايا الدماغ العصبية| والتي تكون مسؤولة عن الحواس، كالرؤيا والسمع والنطق، وهي المسؤولة عن معالجة المعلومات أثناء انتقالها في |الألياف العصبية| حتى تصل إلى هدفها، واكتشف العلماء أن دماغ المصاب بالآلام المزمنة ينكمش في سنة واحدة، وبنفس معدل انكماش الدماغ السليم خلال عشر سنوات إلى عشرين سنة.
- ما هي الصلة بين الألم المزمن والالتهابات الداخلية؟
اكتشف فريق في جامعة هرفد صلة قوية بين الألم المزمن وبين الالتهابات الداخلية في الجسم والتي تسمى " inflammations" وتلك الالتهابات تحدث عند الإرهاق المستمر أو التلوث أو الطعام الغير صحي، وغيرها من العوامل مما يؤدي إلى تهيج جهاز المناعة في الجسم بما في ذلك الدماغ، وبالتالي في حالات الالتهاب الداخلي
تقوم خلايا موجودة في الدماغ، والتي تدعى باسم الخلايا الدبقية الصغيرة القيام بعملية إطلاق جزيئات مسببة للالتهاب وهي التي تؤدي إلى تكبير إشارات الألم عند الإنسان، يوجد أمام العلماء سنوات عديدة حتى يستطيعوا أن يفهموا ويفسروا دور الخلايا الدبقية الصغيرة في الآلام المزمنة، لكن في العصر الحالي معظم الناس الذين لديهم ألم مزمن يأخذون مسكن ألم.
ما هو الألم وكيف يمكنك التعامل معه؟
- ما هو تأثير مسكنات الألم؟
المشكلة أن معظم الناس لا تعرف تأثير تلك المسكنات التي نأخذها سواء إن كانت بوصفة طبية أو حتى دونها، ومن المسكنات غير الخطيرة الباراسيتامول وهي عائلة مسكنات باندول وترمادول وغيرها، وكما تعلمون لا يخلو أي منزل من هذه العلبة الصغيرة وذات التأثير الكبير، إن هذه المسكنات تعمل بصورة رئيسة على |الدماغ| للأسف، وذلك عن طريق تثبيط إفراز المواد الكيميائية والتي تتواجد في كل أنحاء الجسم، والتي تسبب الالتهاب والشعور بالألم، لكن الباراسيتامول يعمل على المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ فقط فيخفف الألم ويخفض الحرارة دون أن يضر الإنسان، أما بقية المسكنات مثل: الاسبرين والبروفين هي تندرج تحت أنواع أخرى من المسكنات والتي تسمى مضادات الالتهاب اللاسترودية وتقوم في إيقاف المادة في جميع أنحاء الجسم ليس في الدماغ فقط والخطورة أن تلك المادة الموجودة داخل الجسم تقوم بوظائف مهمة منها حماية المعدة وعمل الكليتين بشكل سليم، وعدم انسداد المجاري الهوائية وغيرها لذا صديقي عليك أن تكون حذراً جداً عندما تأخذ تلك الأدوية، ويجب أن تستشير الطبيب دائماً.
- ما هي أخطر أنواع المسكنات؟
هناك نوع من المسكنات يعتبر مشكلة حقيقية وهي المسكنات شبه |الأفيون| والتي تسمى أبيود، قد تعتقد أنها مخدرات لكن هذا غير صحيح في القديم كان الأفيون يستخرج من نبات طييعي لعلاج الألم، ثم أصبح يطلق على مجموعة كبيرة وواسعة من المواد التي تتفاعل مع مستقبلات في الجسم، لكي تقلل الألم، وهذه المسكنات خطيرة جداَ فهي تغير من تركيبة كيمياء الدماغ وترفع من إحساس المتعة وهذا الأمر قد يؤدي إلى الإدمان، كما أنها تخفض الإشارات القادمة من الخلايا العصبية كي تتحكم في التتنفس، وقد يؤدي إلى الوفاة بسبب نقص التهوية، والضرر الأكبر لهذه المسكنات أنها تزيد من الألم والتي بسببها يتعاطه المرضى أكثر، فهي تسكن الألم لفترة بسيطة فقط، وبعدها تغير من دائرة استقبال الدماغ لإشارات الألم وتجعل مستوى تحمل الجسم للألم ضعيف ويصبح يشعر في الألم من أبسط الأشياء
- ما هو وباء المسكنات الشبه الأفيونية
تعاني الولايات المتحدة حالياً من ما يسمى في الأوساط العلمية والصفحية من "وباء المسكنات الشبه الأفيونية"
وهي مسكنات تحمل أسماء تجارية شهيرة مثل: اكستونسن ومورفين وترامادول، وتوفى ما بين عامين 1990 و 2014 أكثر من ثمانية وعشرين ألف إنسان بسبب التعاطي الزائد لها من أولئك أكثر من 18000 شخص أخذوها بناء على وصفات طبية، وفي شهر مارس 2016 قام مركز الوقاية والسيطرة على الأمراض في أمريكا بإصدار توجيهات صارمة بعدم علاج الألم المزمن بهذه المسكنات إلا لو كان منفعها للمريض أكثر بكثير من مخاطرها.
ما هو الألم وكيف يمكنك التعامل معه؟
- لماذا استقبال الألم يختلف من شخص لآخر؟
في بعض الأحيان تتعرض أنت وشخص آخر لوخذ إبرة في الموضع نفسه، لكن الألم عند كل شخص منكم مختلف وأنت شخصياً قد تختلف عندك تجربة الألم من وقت لآخر رغم أن السبب واحد، لأن استقبالك للألم يعتمد على العديد من الأمور منها مزاجك وانتباهك وخبرتك السابقة مع ذلك النوع من |الألم|، وهناك بحث نشرته أحد الجامعات في عام 2012 وجدوا فيه أن السيدات يشعرنّ بالألم بشكل أكبر من الرجال، وتقول الطبيبة النفسية دارلن في عيادة علاج الألم في جامعة استانفورد إنَّ قلق المريض بشأن حالته يجعل الألم أسوء، وإذا استطعنا التركيز على تقنيات توقف القلق فإن ذلك سيساعد في تخفيف الألم، ولهذا ظهر علاج يدعى " التركيز الذهني لتقليل التوتر" وهو علاج معتمد في أمريكا وفي أكثر من ثلاثين دولة ويستند على ممارسات وتمارين التأمل، حيث يعزز التأمل العلاقة بين العقل والجسد وإدراك اللحظة الحالية.
- ما هو علاج cbt وما هو علاج mbcr؟
في عام 2016 أجريت دراسة في معهد بحوث العلاج الجماعي على ثلاث علاجات للألم في عينة من مجموعة من الحالات وطبقوا عليها علاجات cbt وعلاج mbcr والعلاج الطبي العادي للألم من مسكنات وغيرها، ووجدوا أن الحالات التي استخدمت أول علاجين cbt mbcr انخفضت عندهم المتاعب الناتجة عن الألم بشكل واضح بعد ست وعشرين أسبوع من بدء العلاج، بل وارتقعت قدراتهم الوظيفية.
هناك من يشكك في العلاجات الغير دوائية وأحياناً يكونوا على حق، ولا يوجد شخص لديه صداع نصفي ويريد أن يستمع لشخص يقول له فكر في إيجابية وكن متفائل فهو يحتاج إلى مسكن على الفور، لكن الفائدة من العلاجات الغير دوائية أنه وقت الألم يكون لدى الإنسان قدرة على إدارة نفسه بالطريقة الأفضل، وبحسب الجمعية البريطانية للألم فإن خمس سكن العالم أي مليار وأربعمئة مليون إنسان يعانون من |آلام مزمنة| في أجسادهم، رغم أن العلماء يعملوا طوال اليوم لابتكار علاجات لتلك الآلام.
- هل الجوانب النفسية تلعب دور في تخفيف الألم؟
الجوانب النفسية تلعب دور كبير ولا يجب الإغفال عنها، إن أكثر ما يحبط مرضى الآلام المزمنة نظرة العائلة لهم على أنهم كسالى لكن حقيقتهم يعانوا من آلام كبيرة ويصبروا عليها فهم يعانوا من |خلل عصبي|، لذلك نحتاج أن نراعي مشاعر وآلام هؤلاء الناس.
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك