عرض المشاركات المصنفة بحسب التاريخ لطلب البحث الصحابة. تصنيف بحسب مدى الصلة بالموضوع عرض جميع المشاركات

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 5/21/2022 01:57:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف)
أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف) 
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر
من السباقين الأوائل إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وممَّن اختارهم عمر بن الخطاب في أمر الشورى ليولُّوا الخليفة من بعده، إنَّه الجواد المعطاء عبد الرحمن بن عوف. 

للحديث أكثر في بعض الحقائق عن هذا الصحابي الجواد تابع معنا المقال التالي.  

 ولادته وصفاته

ولد عبد الرحمن بن عوف في مكة بعد عام الفيل فكان أصغر من الرسول عليه الصلاة والسلام بعشر سنوات، كان يدعى في الجاهلية "عبد عمر"، ومن صفاته كما وصفته زوجته أنه رجل طويل، أبيض الوجه مختلط معه الحمرة، جميل الوجه أحسنه، عريض الكتفين، فارع الطول، ورقيق البشرة.  

كان مثابراً جداً إذ كانت تجارته كبيرة ومستمرة وكان يعدّ من الأغنياء في مكة.  

 إسلامه

عندما نزل الأمر الإلهي على سيدنا محمد  عليه الصلاة والسلام بالدعوة لدين الحق دين الإسلام، بدأ سيدنا محمد ومعه أبو بكر رضي الله عنه بالدعوة للدين الإسلامي في مكة، فأسلم على يد سيدنا أبي بكر الكثير من الصحابة وكان من أولهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ثم عاش عبد الرحمن في مكة بعد إسلامه - كما الحال مع كل الصحابة - في استضعافٍ وشدة ولم يكن غِناه الشديد شفيعاً له.  

 هجرته إلى المدينة

كان عبد الرحمن رضي الله عنه من الأشخاص الذين هاجروا إلى الحبشة ثم عادوا إلى مكة، ثم هاجروا إلى المدينة المنورة وهناك حدثت المؤاخاة بين المهاجرين الذين استضعفوا في مكة وهاجروا تاركين كل ممتلاكهم خلفهم وبين الأنصار في المدينة، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين |سعد بن الربيع|، وقد كانت هذه المؤاخاة الأشهر وذلك لأن سعد عرض على عبد الرحمن أن يناصفه في كل شيء، سواء في كل ما يملكه من مال وعيال، فكان رد سيدنا عبد الرحمن: "بارك الله لك في أهلك ومالك، بل دلَّني على السوق" أي قرر رغم كل شيء أن يبدأ تجارته من جديد فدلّه سعد على السوق فعمل في |التجارة| من جديد، وبارك الله له في تجارته حتى أصبح من أغنى الصحابة في المدينة المنورة. 

ولكن اتساع تجارة سيدنا عبد الرحمن وغناه وثراءه الكبير لم يؤثر أبداً على كونه أحد المجاهدين في الإسلام، فعندما كان ينادي المنادي إلى الجهاد كان من أول الخارجين مع رسول الله وهو من الذين قيل فيهم: "كانوا في الجهاد أمام النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصلاة خلفه".

أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف)
أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف) 
تنسيق الصورة : ريم أيو فخر  

 في غزوة أحد

كما ذكرنا أن عبد الرحمن رضي الله عنه كان من المجاهدين الأوائل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد شهد كل الغزوات معه، ومن المشاهد التي تذكر لعبد الرحمن بن عوف في الجهاد مشهدٌ حدث في |غزوة أحد| فلما تشتت جمع المسلمين يوم أحد وفرَّ مَن فر من الصحابة ومن المنافقين ثبت عبد الرحمن رضوان الله عليه في أرض المعركة وقال الحارث بن الصُّمة عن ذلك: 

سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو في الشعب: "هل رأيتَ عبد الرحمن بن عوف؟" 

فقلت: نعم رأيته إلى جانب الجبيل وعليه عسكرٌ من المشركين فهويتُ إليه لأصدهم عنه فرأيتك يا رسول الله فعدلت إليك.  

فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تمنعك"

فيقول الحارث: فعدتُ إلى عبد الرحمن بن عوف فوجدت بين يديه سبعةٌ صرعى، فقلت له: ظفرَت يمينك، أَكل هؤلاء قتلت؟ 

فقال عبد الرحمن: أما هذا فَلابن شرحبيل وهذان فأنا قتلتهم وأما هؤلاء فقتلهم مَن لم أره.  

فقلت: صدق رسول الله. 

وفي غزوة أحد انكسرت مقدمة أسنان عبد الرحمن وجرح أكثر من ٢٠ جرحاً، كان منها جروحاً في رجله حتى أنه اصيب بالعرج بعدها. 

 في دَومة الجندل 

كان عبد الرحمن أهلاً للثقة بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام، ففي شعبان في السنة الخامسة للهجرة بعث النبي عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن بن عوف على رأس سرية إلى دومة الجندل ليقاتل بني كلب بعد أن فرّوا من المواجهة، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ابنة ملكهم إذا فتح الله عليه، فأخذ عبد الرحمن اللواء وخرج على رأس ٧٠٠ رجل إلى دومة الجندل فمكث فيها ثلاثة أيام يدعو أهلها إلى الإسلام، فأسلم ملكهم الأصبغ بن ثعلبة فتزوج ابنته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنجب منها. 

في غزوة تبوك  

في تبوك حدث أن صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء عبد الرحمن بن عوف، وهذا يعدّ من مناقب سيدنا عبد الرحمن في الإسلام أنه كان إماماً في الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهكذا كانت العلاقة بين عبد الرحمن والرسول عليه الصلاة والسلام جميلة جداً حتى مات حبيبنا المصطفى، ولكن استمراراً لعلاقة عبد الرحمن الطيبة التي كانت تجمعه برسول الله صلى الله عليه وسلم كان بارّاً بأمهات المؤمنين وكان هو الذي يُنفق من ماله الخاص على |زوجات الرسول| عليه الصلاة والسلام. 

أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف)
أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف) 
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر 
 
ظلّ عبد الرحمن بن عوف من كبار الصحابة في عهد سيدنا أبي بكر الصديق وحارب في حروب الردة، ثم أتى عهد سيدنا عمر فكان عمر بن الخطاب يستشيره في كل شيء ففي سنة ١٨ للهجرة أثناء خلافة سيدنا عمر كان يريد رضي الله عنه أن يخرج إلى الشام، فبَلغ عبد الرحمن بن عوف أن الطاعون كان منتشراً في الشام آنذاك فذهب عبد الرحمن ونصح عمر بن الخطاب ألا يذهب إلى الشام وذكّره بما كان قد قاله الرسول عليه الصلاة والسلام: "إذا سمعتم بهذا الوباء ببلدٍ فلا تقدُموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا منه فراراً منه"، فعدَل عمر بن الخطاب عن وجهته اتباعاً لرأي عبد الرحمن.  

كما أن سيدنا عمر بعد الحوادث التي حصلت في نهاية عهده أوصى الصحابة الذين مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم أن يعقدوا مجلساً في بيت أحدهم ليختاروا خليفةً من بعده، وكان من ضمن هؤلاء الصحابة عبد الرحمن بن عوف وبالفعل اجتمعوا وتشاوروا في الأمر حتى اختاروا |عثمان بن عفان|، وكان سيدنا عبد الرحمن في عهد عثمان بن عفان كما كان في عهد عمر بن الخطاب رضوان والله عليهم أجمعين. 

في سنة ٢٤ للهجرة قام عثمان بن عفان باستخلاف عبد الرحمن على موكب كان للمسلمين وعلى رأسه أمهات المؤمنين خارج من المدينة إلى مكة بقصد |الحج|، فأمر سيدنا عبد الرحمن بخَيل أو جِمال لتركبهن أمهات المؤمنين وتقدموا الموكب، وعبد الرحمن بن عوف خلفهم لا يسمح لأحد بأن يقترب منهم. 

موقف يبين زهد عبد الرحمن بن عوف

من شدة ثقة عثمان بن عفان بعبد الرحمن عهِد إليه بالخلافة من بعده فحين أصاب عثمان المرض دعا كاتبه حَمرَان وقال له: "اكتب لعبد الرحمن العهد من بعدي" 

فكتب له وانطلق لعبد الرحمن فقال له:  "البشرى" 

فسأل عبد الرحمن: "وما ذاك" 

فقال له: "إن عثمان قد كتب إليك العهد من بعده"

فقام عبد الرحمن وذهب إلى المسجد النبوي وجلس بين القبر والمنبر وأخذ يدعو الله: "اللهم إن كان من توليتي عثمان إياي هذا الأمر فأمتني قبله"، أيّ زهدٍ هذا؟!

موقف حصل قبل وفاة عبد الرحمن يبين شدة ورعه 

عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: أن عبد الرحمن بن عوف كان صائماً، فأتى له بطعام فقال: "قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني وكفّن ببردةٍ إن غطِّي رأسه بدت رجلاه وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني ثم بسِط لنا من الدنيا ما بسِط، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا" ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام، أيّ ورعٍ هذا؟!

وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية مقالنا وسلطنا الضوء على بعض المعلومات في حياة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 5/21/2022 01:57:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر  

واحدٌ من السابقين الأوائل للإسلام، من أشد الصحابة الذين استُضعفوا في مكة، ممَّن هاجروا إلى الحبشة ثم هاجروا إلى يثرب، وشارك النبي عليه الصلاة والسلام في كل غزواته، ومن الصحابة الذين مات صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم، إنه الصحابي الفاضل عمار بن ياسر. 

للخوض في بعض المعلومات عن هذه الشخصية العظيمة تابع معنا هذا المقال.  

 ولادة عمار بن ياسر

في البداية سنتحدث عن والد عمار بن ياسر "سيدنا ياسر"، ياسر في الأصل لم يكن من مكة إنما هو من اليمن، خرج منها وسافر متجهاً إلى مكة ثم استقر فيها، وعندما وصل عقد حلفاً مع شخص يدعى أبو حذيفة بن المُغيرة، وعاش ياسر في مكة ثم زوّجه أبو حذيفة من سمية بنت خِيَاط مكية الأصل، فتزوج ياسر من سمية وأنجبوا عمار ليكون عمار بن ياسر. 

 إسلام آل ياسر 

كانت عائلة عمار مجتمعة من أسرع الناس الذين شرح الله صدرهم للإسلام فأسلموا جميعاً واتبعوا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا من السابقين إلى الإسلام. 

 تعذيب واضطهاد آل ياسر في مكة 

كما هي الحال مع كل الصحابة الذين كانوا يتبعون دين محمد في مكة تعرّض آل ياسر لشتى ألوان العذاب والاضطهاد، وما زاد في استضعافهم أنهم كما نعلم في الأصل ليسوا من مكة فليس لديهم سند أو ظهر يحميهم فكانوا أقرب إلى العبودية لذلك استضعفوا وبشدة في مكة.  

كانت مهمة تعذيب آل ياسر موكلة إلى بني مخزوم الذين كانوا يُخرجون العائلة كلها إلى صحراء مكة التي كانت تلقب بالرمضاء لشدة حرّها، يخرجون ياسر وسمية وعمار إلى الصحراء الملتهبة ويتفننون في تعذيبهم بكل قسوة فلب.  

كان صلى الله عليه وسلم يخرج إليهم ويراهم وهم يعذبون ولا يستطيع أن يدفع عنهم العذاب، حتى أن الكثير من |الصحابة| الذين اشتد عليهم العذاب والبغي من قريش كانوا يذهبون إليه صلى الله عليه وسلم ويشكون له عذابهم ومعاناتهم من قريش دون أن يملك لهم نفعاً، ولكنهم كانوا يعلمون أنه لا بدَّ من التضحية فما يحاربون لأجله ليس أمراً عادياً وإنما هو أمر عظيم سيغير مجرى الكون كله، بعد ذلك نزل وحي إلهي على النبي بآياتٍ تصبِّر الصحابة على العذاب.  

أيُّ تضحيةٍ تلك التي قدمها آل ياسر؟! 

في إحدى المرات التي كان فيها النبي ماراً بهم ناداه عمار وقال له: 

 يا رسول الله لقد بلغ منَّا العذاب كل مبلغ. 

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم طمأنةً لهم وتصبيراً لهم على العذاب: 

- "صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة" 

وعدٌ مباشر من النبي عليه الصلاة والسلام لآل ياسر بالجنة. 

أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر
  
 قيل في كثير من الأحاديث عن |عمار بن ياسر| أنه من شدة التعذيب أصيب بالهذيان وكان لا يدري ما يقول، وكما قال عمرو بن ميمون: 
أحرق المشركون عمار بالنار فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرُّ عليه ويمرر يده على رأسه ويردد: "يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنتِ برداً وسلاماً على إبراهيم". 

ظلّ سيدنا عمار صابراً على كل العذاب الذي كان يلاقيه حتى جاء يومٌ ونفذت فيه طاقته، إذ كانوا يكووه بالنار ويرموه على الحصى في الصحراء ثم يأخذونه ويضعونه في الماء حتى تحترق أنفاسه ويتقرَّح جسده، فاشتد عليه العذاب كما رأى أمه في ذلك اليوم تموت تحت التعذيب ففقد وعيه وأصبح يهذي، فقال له المشركون: أُذكر آلهتنا بالخير، فأخذ يردد وراءهم ما يقولونه دون وعي منه ولا إدراك، لكنه عندما عاد لوعيه واستجمع شتات نفسه من جديد فطن لما حدث وتذكر أنه من شدة العذاب نسي الله وذكر آلهتهم فأخذ يجلد نفسه جلداً لا يوصف وتأثرت نفسيته بذلك كثيراً.

بعد هذا الحادث مرَّ سيدنا محمد على عمار فوجده يبكي بحرقة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ما جرى لعمار ولأمه وأبيه وعلم ما قاله عمار فأخذ النبي يمسح دموعه ويقول له: 
"أخذك الكفار فغطّوك في الماء فقلت كذا وكذا؟"
فأجابه عمار وهو يبكي: نعم يا رسول الله 
فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم وقال له: "إن عادوا فقل لهم مثل قولك" وتَلَا عليه آيات من القرآن، فعاد عمار لهدوء نفسه واستجمع قواه من جديد ولم يعد يبالي بأي نوع من العذاب، فقد نزلت فيه البشرى وآيات من القران فماذا يريد بعد ذلك؟!

ظلّ عمار صابراً محتسباً حتى يئس منه معذبوه، ثم كانت |الهجرة إلى المدينة| فهاجر عمار مع الرسول عليه الصلاة والسلام واستقر حال المسلمين في المدينة المنورة.  

كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحب عمار حباً شديداً ويباهي به أصحابه ويقول عنه صلى الله عليه وسلم: "إن عمار مُلِئ إيماناً إلى مشاشه'.

أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر
حصل سوء تفاهم في إحدى المرات بين سيدنا عمار بن ياسر و سيدنا |خالد بن الوليد| فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: 

"مَن عادى عمار عاداه الله، ومَن أبغض عمار أبغضه الله"
فما كان من سيدنا خالد بن الوليد إلا المسارعة إلى عمار والاعتذار منه وتصحيح الموقف. 

 شهد سيدنا عمار بن ياسر بدر وأُحد والخندق وتبوك وكل الغزوات مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان عمار في عهد الخلفاء الراشدين أيضاً أهلاً للثقة فقد شارك في حروب الردة، رضي الله عنه، وشارك في فتوحات الروم والفرس، وكان عمار بن ياسر دائماً في الصفوف الأمامية في القتال. 

 في خلافة عمر بن الخطاب عَهِد إلى عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود بيت المال، ولما أراد سيدنا عمر أن يولِّي أحداً على الكوفة ولَّى عمار بن ياسر. 

 ومن فضائله أيضاً أن الحذيفة بن اليمان العالم بلغة السرائر لما كان على مشارف الموت سأله أصحابه: بمن تأمرنا إذا تخلَّف الناس.  
فأجابهم: عليكم بابن سمية فهو لا يفارق الحق حتى يموت.  

أتى زمن الفتنة فمات في سبيل الله عثمان بن عفان وكانت الولاية من بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فبايعه عمار بن ياسر، 
هنا يجب ذكر حادثة حدثت لعمار في عهد النبي عليه الصلاة والسلام

 "كان سيدنا عمار مرةً يعمل بجانب جدارٍ، فوقع الجدار عليه فبلغ ذلك الخبر للنبي صلى الله عليه وسلم فهروَل إليه، فلما وصل النبي عليه الصلاة والسلام كان الناس قد ظنوا أن عمار مات ولكنه عليه الصلاة والسلام قال: 
"ما مات عمار، تقتله الفئة الباغية"

 وبالعودة إلى زمن الفتنة حيث اختلف المسلمون وراح البعض يبايعون علي بن أبي طالب والبعض يبايعون معاوية بن أبي سفيان، وكل فئة على يقين أنها تنصر الإسلام، وهنا لن ندخل بتفاصيل هذه الفترة التي كانت مليئة بالأحداث التاريخية، بل سنركز على سيدنا عمار الذي قلنا أنه بايع سيدنا علي. 

وجاء يوم صفِّين - فئتين من المسلمين يقتتلوا- فخرج سيدنا عمار في جيش |علي بن أبي طالب| وهو في الثالثة والتسعين من عمره، فلما علم رجال معاوية أن عمار في الجيش أخذوا يبتعدون عنه حتى لا يكونوا الفئة الباغية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، إلا أن شراسة عمار بن ياسر في القتال أدت لإصابته بجروح كثيرة واستشهاده فانتشر الخبر وأعيد في أذهان الصحابة جميعهم ما ذكره النبي عن مقتل عمار. 

بعيداً عن تبعات هذا الأمر لما علم سيدنا علي بمقتل عمار حمله بيديه على صدره حتى أخذه في مكان دفنه، ودفنَه بثيابه ودعا له وصلى عليه وصلى المسلمون من خلفه.  

وبهذا انتهت حياة أحد الصحابة السابقين المستضعفين الذين سيحكمون العالم من بعد ذلك، وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية مقالنا، وكما نقول دائماً إننا فقط نذكر لمحة سريعة عن حياة هذا الصحابي لنفتح لك المجال لتبحث في الكتب وتقرأ أكثر وتستزد عن هذا الصحابي الشجاع. 
فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 5/11/2022 07:31:00 م

كيف تقرأ التاريخ بتعمق وتركيز؟
 كيف تقرأ التاريخ بتعمق وتركيز؟ 
تنسيق الصورة : رزان الحموي
  
الإنسان في طبعه يحب القصص جداً ويتأثر فيها ويتفاعل معها، ومنذ آلاف السنين كانت الناس تجتمع حول النار للاستماع إلى القصص من الحكواتي، ومع مرور السنين تطورت القصص وأصبحت على شكل روايات وكتب، وصولاً إلى صناعة السينما، كل هذا يتمركز على فكرة القصة، نحن في طبعنا نحب القصص جداً، وخاصة إذا كانت تلك القصص حقيقية قصص أجدادنا وآباءنا، وهذه القصص تسمى بالتاريخ ونستمتع في قراءة قصص عن التاريخ التي فيها الكثير من العبر والدروس، لذلك من أهم الأشياء التي يمكن فعلها لفهم الحاضر هو قراءة التاريخ.

 كيف تقرأ عن التاريخ؟

١- قراءة المحاور الرئيسية

عندما تقرأ عن |التاريخ| تجد الكثير من المحاور التي يجب أن تركز عليها، على سبيل المثال المحور الأول الذي يجب أن تقرأ عنه هو بلدك البلد التي تعيش فيها والتي تحتاج أن تعرف تاريخها، أي إذا كنت سوري تحتاج قراءة تاريخ سوريا وإذا كنت مصري تحتاج قراءة تاريخ مصري، وإذا أردت قراءة تاريخ مصر تجده منقسم إلى عدة أقسام وفترات لديك فترة مصر الفرعونية وإذا أردت القراءة عنها يوجد كتاب يسمى "|فجر التاريخ|" يتحدث عن الفترة الفرعونية بأسلوب جذاب جداً، وإذا أردت القراءة عن مصر في عهد الخلافات الإسلامية، مثل: مصر في عهد العباسين أو في عهد الدولة الفاطمية ستجد كتب تؤرخ كل هذه الفترات، وإذا أردت القراءة عن مصر في عهد الدولة الملكية يوجد كتاب "مذاكرات عرابي" وكتاب " كل رجال الباشا"، يوجد الكثير من الكتاب الأخرى.

 ماأشهر الكتب عندما أصبحت مصر جمهورية؟

كتاب "الباحث عن الذات" للسادات 

كتاب "كنت رئيساً لمصر" لمحمد نجيب

كتاب "مذكرات أكتوبر" لسعد الدين الشاذلي

كتاب "شخصية مصر" من أهم الكتب الذي كُتب في تاريخ مصر ودرس تاريخ مصر بتفاصيله الدقيقة.

يوجد فترات مختلفة تحتاج أن تحدد الفترات التي تريد أن تقرأ عنها، ومن ثم تبدأ بتحديد الكتب المناسبة لهذه الفترة.

 ماهي الطريقة الأفضل لقراءة كتب التاريخ؟

هو أخذ نبذة عن كل كتاب أو قراءة كتاب صغير، كتاب يؤرخ كل الفترات بحيث يجعلك تعرف تسلسل الأحداث إلى حد اللحظة التي نعيشها.

كيف تقرأ التاريخ بتعمق وتركيز؟
 كيف تقرأ التاريخ بتعمق وتركيز؟  
تنسيق الصورة : رزان الحموي
  

ماهي أهم الكتب عن تاريخ المغرب العربي؟

كتاب " |أيام الأمازيغ|" لنهى الزين يتحدث عن أصل شمال إفريقيا، تحتاج أن تقرأ فيه عن تاريخ بلدك.

٢- قراءة محور ديانتك أو المعتقد الذي تنتمي له

إذا كنت مسلم تحتاج معرفة تاريخ الإسلام، ومن ثم قراءة |سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام|، هذا الشخص المؤمن به ومؤمن برسالته، فأنت تحتاج معرفة تفاصيل حياته تفاصيل المواقف التي مر بها وكيفية نشر الدعوة الإسلامية، والمشاكل التي واجهها، وأشهر كتاب سيرة هو "ابن هشام" 

وإذا أردت القراءة عن الصحابة يوجد كتاب "|رجال حول الرسول|" وبعد ذلك يمكنك القراءة عن الدولة الإسلامية يوجد الكثير من الكتب عن الدولة الإسلامية والمراحل التي مرت بها، ويوجد أشخاص مروا في هذه المراحل تحتاج القراءة عنهم "متمردون لوجه الله" يتحدث هذا الكتاب عن شخصيات مهمة جداً مثل الأندلسي وعبد الله النديم

وهناك كتب عن ابن سينا و|الفارابي| الأشخاص الذين تركوا بصمة كبيرة في المجمتع، وأيضاً الحكّام الذين حكموا البلاد مثل هارون الرشيد ممكن أن تقرأ عن تاريخه وعن الفترة التي حكم بها.

هناك كتاب يجمع بين الأم والملوك هذا الكتاب كبير جداً ولكن فيه تاريخ كل الدول الإسلامية.

كل الكتب السابقة يمكنك قراءة ماتحتاج منها لكن أهم كتاب هو السيرة الذاتية للنبي عليه الصلاة والسلام.

وإذا كنت على ديانة أخرى تحتاج معرفة تاريخ دينك وقراءة كتاب عن النبي الذين تؤمن به والرسالة التي تؤمن بها.

٣- الأحداث العالمية الكبرى

أي الأحداث التي حصلت وأثرت على البشرية كلها، الحروب العالمية مثل الحرب العالمية الأولى والثانية وأحداثها، والكثير من الأحداث غيرها مثل الثورة الفرنسية والحرب الأهلية في أمريكا وأحداث الثورة في مصر، كل الأحداث يجب أن تقرأ عنها كي يكون لديك معرفة في تاريخ الأحداث العالمية.

وإذا شعرت في الضياع بين الكتب ولم تعرف من أين تبدأ يمكنك قراءة كتاب " قصة الحدارة" 

 ماميزات كتاب "قصة الحدارة"؟

هذا الكتاب يتحدث عن التاريخ منذ بداية ظهور الإنسان البدائي من الزراعة مروراً بالحضارات كلها، حضارة بابل وحضارة صين والهند، ومن ثم يتحدث عن بعثة النبي وعن الدولة الإسلامية، وعصر النهصة في أوربا والثورة الفرنسية، والثورة الصناعية وأوربا وتقدمها، مشكلة هذا الكتاب أنه 11 مجلد، والكاتب بقي 40سنة يكتب في هذا الكتاب وسافر إلى الكثير من الدول من أجل جمع المعلومات، لكن يمكنك كل شهر إنهاء مجلد خلال سنة تنهيه كله، وبعد هذه السنة ستكون إنسان مختلف لديك فكرة عن السنوات الماضية فكرة عن أهم الأحداث وأهم الشخصيات وأفكار أهم الشخصيات.

دمتم بخير .......

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/27/2022 08:50:00 م
اقرأ عن عمر بن الخطاب - اختيار الصورة ريم أبو فخر
 اقرأ عن عمر بن الخطاب
اختيار الصورة ريم أبو فخر 
• من أحد ألد أعداء الإسلام إلى أقوى وأشجع المدافعين عنه وعن المسلمين بلغ درجة تأثيره في تاريخ الإسلام لدرجة جعلت الكاتب الأميركي مايكل هارت يعتبره من ضمن ال١٠٠ شخصية الأكثر تأثيراً بالعالم في كتابه المائة الأكثر تأثيراً في التاريخ بطل قصة اليوم هو سيدنا |عمر بن الخطاب| رضي الله عنه.

• - من هو عمر بن الخطاب؟

• - عمر بن الخطاب قبل إسلامه؟

• - دخول سيدنا عمر بن الخطاب الإسلام؟

• - ولاية سيدنا عمر خلافة المسلمين؟

• - ماهي الأزمة التي حصلت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب ؟

• - استشهاد سيدنا عمر رضي الله عنه وارضاه ومكان دفنه؟

من هو عمر بن الخطاب

هو عمر بن الخطاب ابن نوفيل بن عبد العزىز بن رياح بن عبدالله بن قرد بن رزاح بن عدي، ويعود نسبه إلى كعب بن لؤي، حيث هنا يشترك نسبه بنسب الرسول الكريم محمد.

 لم تحدد سنة ولادتها من قبل المؤرخين ولكن قيل أنه ولد مابين عامي /586م و 590م/ ، أي بعد ميلاد الرسول الكريم بحوالي ثلاثة عشر عام، وليس له تاريخ هجري لأنه ولد قبل الهجرة بكثير، كما أنه يعتبر هو مؤسس التاريخ الهجري، لقب بالفاروق لتفريقه بين الحق والباطل كما أنه كان مشهوراً بالعدل، فكان يحكم بين الناس بالعدل حتى ولو لم يكونوا مسلمين.

عمر بن الخطاب قبل الإسلام 

 عندما بدأ نشر الإسلام بدأ يظهر من سادة قريش أعداء للإسلام والمسلمين بشكل كبير، وكان عمر بن الخطاب من أشد الناس عداوة للإسلام، ووصلت به العداوة لدرجة أنه جند نفسه لأن يمشي خلف |رسول الله|، وكلما كان الرسول الكريم يدعو أحدهم للإسلام كان يأتيه عمر بن الخطاب ويهدده بأنه سوف يؤذيه في حال دخوله للإسلام، وكان معروفاً بقوته الجسدية ومشهوراً وسط قريش بعصبيته، بلغ درجة كرهه وعداوته للإسلام لدرجة أنه كان يعذب جارية لديه طوال اليوم دون أي استراحة، فقط لأنها أعلنت إسلامها، ويخبرها أنه لن يتوقف عن تعذيبها حتى تعود عن رأيها وتترك |الإسلام|، لم يكتفي عمر بن الخطاب بتعذيب وتهديد المسلمين الضعفاء فحسب بل إنه قرر التضحية بنفسه بأن يقدم على قتل النبي، ومن ثم يقوم بتسليم نفسه لقبيلة بني هاشم حتى يقتلوه.

قبيلة بني هاشم هي قبيلة |النبي|، وهي من أقوى القبائل العربية، وقريش تعرف عز المعرفة بأن قبيلة بني هاشم لن تسكت على قتل رجل من رجالها حتى لو أنهم غير مؤمنين به، فقد وصلت درجة كرهه للإسلام بأنه يضحي بنفسه ويموت، وله الكثير من القصص التي كانت تؤكد شدة عداوته للإسلام.

اقرأ عن عمر بن الخطاب - اختيار الصورة ريم أبو فخر
 اقرأ عن عمر بن الخطاب
اختيار الصورة ريم أبو فخر

إسلام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه

 قلنا منذ قليل بأن سيدنا عمر من شدة كرهه للإسلام قرر أن يقتل سيدنا محمد، وعمر معروف عنه أنه كان يكره التردد، لذلك عزم أمره وذهب لقتله، وفي أثناء طريقه صادفه رجل من قريش فرأى أنه يعزم على أمرٍ ما، فسأله إلى أين ذاهب أجابه بأنه يقصد النبي لقتله، فأخبره الرجل إذا كان كذلك فعليك بأهل بيتك، وأخبره بأن يذهب إلى أخته فاطمة وزوجها اللذان أسلما واتبعا دين محمد، عند ذلك أصبح الدم يغلي في عروقه وانتفض من الغضب وتوجه إلى بيت أخته، ومن شدة غضبه دفع الباب بقوة أدت إلى كسر الباب، فوجد أخته وزوجها ومعهم أحد الصحابة كان يعلمهم القرآن، وكان بيد فاطمة أخته ورقة فيها أوائل سورة طه، فأقدم على ضرب أخته ضربة أدت إلى شق في وجهها، ومن شدة الضربة سقطت من يديها الورقة التي فيها الآيات، حاول عمر أن يمسك الورقة ويقرأها لكن أخته منعته، وأخبرته بأنه يجب عليه أن يتوضأ قبل ذلك، فاستغرب سيدنا عمر ما هذه الورقة التي رغم الألم الذي تشعر به رفضت أن تسمح له هو عمر بن الخطاب الذي تهابه الرجال أن يمسك الورقة دون أن يتوضأ، ذهب سيدنا عمر مع فاطمة بنت الخطاب وتعلم كيفية الوضوء، وتوضأ ثم أخذ الورقة وقرأها (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) إلى آخر الآيات ...

عندما قرأ عمر بن الخطاب الآيات قال بينه وبين نفسه من غير الممكن أن يكون هذا كلام بشر، وخرج من بيت أخته متجهاً إلى الرسول الكريم وأعلن إسلامه.

إسلام سيدنا عمر رضي الله عنه كان نقطة فارقة في الإسلام، لأن المسلمين الضعفاء شعروا بقوة كبيرة عند دخول سيدنا عمر الإسلام، ومن شدة فرحتهم أخذوا يهللون ويكبرون.

عندما أمر النبي عليه السلام المسلمين الهجرة إلى المدينة المنورة التي كان يطلق عليها اسم يثرب، كان المسلمين يهاجروا سراً كما أن بعضهم كان ينتظر وقتاً متأخراً من الليل حتى يهاجر كي لا يراه أحد من المشركين، لأنهم كانوا يجبروهم على الرجوع، ولكن الأمر كان مختلفاً مع أثنين من المسلمين وهما سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنهما، فقد هاجرا في عز النهار وأمام أعين قريش دون أن يستطيع أحد أن يقترب منهم، سيدنا عمر عندما قرر أن يهاجر أخذ سيفه وأمسك بقوسه واتجه نحو الكعبة مكان تجمع عدد كبير من رجال قريش، وطاف عمر حول الكعبة وصلى ركعتين ثم توجه نحو المشركين متحدياً، وقال لهم ( من أراد أن تثكله أمه أو ولده أو ترمل زوجته فليتبعني خلف هذا الوادي )، فأخبر المشركين بأنه مهاجراً وأنه من أراد الموت فليتبعني، فلم ينطق أي أحد من المشركين بأي كلمة، وهاجر |الفاروق| إلى يثرب وصل سيدنا عمر إلى يثرب، وكان الاحتفال به كبيراً جداً من قبل أهل المدينة، وبعد ذلك شارك بغزوتي بدر وأحد بشجاعة قتالية منقطعة النظير.

موقف الفاروق من وفاة النبي عليه السلام

توفي النبي محمد بعد الهجرة بإحدى عشر عاماً، كان هذا الخبر صادماً لجميع المسلمين، لكن سيدنا عمر كانت صدمته كبيرة جداً ومختلفة، ومن ضمن مواقفه أنه عندما شاهد الحزن على وجوه الجميع بسبب وفاة النبي صاح بهم بأن سيدنا محمد لم يمت، وإنما سافر في رحلة إلى السماء مع إخوته الأنبياء لمدة أربعين يوماً، ومن ثم سيعود ثانيةً وصعد على المنبر في أحد المساجد وقال بأن سيدنا محمد لم يمت، واتهم كل من قال بأن سيدنا محمد مات بأنه منافق ويريد إثارة الفتن، فمن شدة حزنه وصدمته بوفاة النبي لم يعد يشعر بما يفعل، إلى أن جاء سيدنا أبو بكر الصديق وقال جملته الشهيرة ( فإنه من كان يعبد محمد، إن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، وهنا هدأ سيدنا عمر بن الخطاب واستوعب الأمر.

خلافة عمر بن الخطاب

بعد وفاة الرسول عليه السلام اتفق معظم الصحابة على أن يتولى |خلافة المسلمين| سيدنا |أبو بكر الصديق|، وبالتالي فإن سيدنا أبو بكر هو أول خليفة للمسلمين، وكان سيدنا أبو بكر يرى في سيدنا عمر الشجاعة والقوة التي تساعده في أمور الخلافة، وأصبح سيدنا عمر الذراع الأيمن لسيدنا أبو بكر، وكان له دور بارز بإنهاء أول فتنة بعد وفاة الرسول الكريم، وكانت هذه الفتنة ارتداد عدد كبير من المسلمين بعد وفاة نبي الله محمد، فقد تأزم الوضع ووصل إلى حروب ومعارك بين المسلمين والمرتدين، أشهرها " |معركة اليمامة| "، انتصر فيها سيدنا أبو بكر وأنهى الأزمة بمساعدة نائبه سيدنا عمر.

اقرأ عن عمر بن الخطاب - اختيار الصورة ريم أبو فخر
 اقرأ عن عمر بن الخطاب
 اختيار الصورة ريم أبو فخر
بعد فترة من انتهاء حروب الردة مرض سيدنا أبي بكر وقد شعر باقتراب أجله، فبدأ القلق والارتباك على المسلمين، فمن سيتولى الخلافة بعد سيدنا أبي بكر عند اشتداد المرض على أبي بكر، توجه الصحابة إليه وسألوه من سيكون خليفة بعده، فأخبرهم بأن الأمر لهم يولون من يشاؤون لكنهم لم يستطيعوا أن يستقروا على أحد فعادوا إلى سيدنا أبو بكر واستشاروه فوقع اختيارهم على سيدنا عمر بن الخطاب، وتولى سيدنا عمر الخلافة بعد وفاة سيدنا أبي بكر عام /13ه في/634م .

ماهي الأزمة التي حصلت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب 

 بعد تولي سيدنا عمر الخلافة بحوالي خمس سنوات، حصلت أزمة من أصعب الأزمات في المدينة المنورة، والأزمة كانت بأنه لمدة تسعة شهور لم تنزل قطرة مطر واحدة من السماء، ففسدت المحاصيل ونفقت المواشي وحصلت مجاعة في المدينة المنورة وما حولها من المدن والقرى، آلاف من المسلمين ماتوا بسبب تلك المجاعة كما أنه تغير لون الأرض وأصبح رمادياً، وسمي ذلك العام بعام " الرمادة "، وكان يتوجب على سيدنا عمر الوصول لحل لتلك الأزمة، وأول شيء فعله هو أنه حث المسلمين على الصلاة والدعاء،  وطلب الفرج من الله عز وجل وكان يدعو دائماً (اللهم لا تجعل هلاك المسلمين في عهدي)، كما أنه قام بتأخير إخراج الزكاة ووقف إقامة الحد على السارق، لأن الكارثة كانت على جميع المسلمين، وأصبحوا يسرقون الطعام كما أن سيدنا عمر كان يطلب الدعم ممن حوله، استمرت الأزمة فترة ثم فُرجت بفضل الله عز وجل.

فترة ولاية سيدنا عمر كانت من أقوى الفترات للدولة الإسلامية، كما أن الدولة اتسعت لمساحات شاسعة، وكانت من أهم |الفتوحات| التي حصلت في عهده فتح دمشق وحمص وبعلبك والأردن والفتح العظيم لبيت المقدس بعد انتصاره على الروم واسترداده منهم، وأيضاً فتح مصر الذي كان بقيادة القائد القوي |عمر بن العاص| رضي الله عنه وغيرها الكثير من المدن مثل تكريت والموصل والبصرة.

استشهاد سيدنا عمر بن الخطاب ومكان دفنه

 استشهد سيدنا عمر بن الخطاب في السادس والعشرين من ذي الحجة عام 23ه، وكان باغتيال غادر من أحد المجوس ويدعى أبو لؤلؤة المجوسي، وكان ذلك أثناء صلاة الفجر فقد أجمع المؤرخون على أنه أثناء إمامة سيدنا عمر للمسلمين في صلاة الفجر تخلل أبو لؤلؤة المجوسي صفوف المصلين وطعن سيدنا عمر ست طعنات قويات في ظهره وهو ساجد، ومن ثم هرب وكان يقوم بطعن كل من يقف في وجهه أو يحاول إمساكه، عندما شعر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه باقتراب أجله أرسل إلى السيدة عائشة ابنة أبو بكر الصديق يطلب منها بأن يدفن بالقرب من سيدنا محمد وأبو بكر الصديق، لأن السيدة عائشة كانت قد جهزت لنفسها قبراً بالقرب منهم، لكنها وافقت على طلب سيدنا عمر وآثرته على نفسها ثم صعدت روحه الطاهرة إلى خالقها، وفاز بالجنة بعد تاريخ طويل وحافل بالانتصارات والسيرة العطرة.

رضي الله عنه وأرضاه.

بقلمي: رهف ناولو

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/04/2022 03:10:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي
 أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  
استكمالاً لما ورد بالمقالة السابقة

بعد الكلام الذي قاله الرجل المسيحي لسيدنا سلمان عن النبي المنتظر قرر البدء برحلة البحث عن المكان الموصوف له للانتقال إليه والبحث عن النبي هناك.  

رحلة سلمان الفارسي في الوصول إلى المدينة المنورة

 صادف سلمان في أحد الأيام قافلةً عابرة فسألهم عن وجهتهم فأخبروه بأنهم ذاهبون إلى جزيرة العرب، فاقترح عليهم أن يأخذوه معهم إلى هناك مقابل أن يعطيهم كل ما يملك، وبالطبع وافقوا علي عرضه وأخذوه معهم، استمروا في المسير إلى أن وصلوا إلى مكانٍ يسمى وادي القرى، وهناك اجتمعوا عليه وخانوا وعدهم له وباعوه لرجلٍ من اليهود. 

ظلَّ سلمان على ذلك الوضع مستعبداً في وادي القرى عند سيده اليهودي لفترةٍ طويلة من الزمن، وفي إحدى المرات اشتراه يهوديٌّ من |بني قريظة| من سيِّده وأخذه معه، وكما نعلم إن يهود بني قريظة كانوا يقطنون يثرب فعندما وصل سلمان إلى مشارف يثرب لفته مظهرها وأخذ يطابق أوصافها مع الأوصاف التي ذُكرت له من قبل الرجل المسيحي فوجدها مطابقةً فقال في وصف ذلك المشهد: "فَوالله ما إنْ رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وُصفت لي" فعرف أنه وصل إلى المدينة المطلوبة، ولكن في ذلك الوقت لم يكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة بعد.  

في يومٍ من الأيام وبينما كان سلمان متسلقاً إحدى النخلات أثناء عمله عند سيده اليهودي سمع شخصاً من أقرباء سيده يكلِّمه في الأسفل وييخبره بمجيء شخصٍ إلى المدينة يزعم أنه نبي - وصف سيدنا سلمان هذا المشهد بعد حين بقوله "أول ما سمعته أخذتني العَرواء فارتجفت النخلة حتى كدتُ أسقط على صاحبها"- فنزل سلمان من أعلى النخلة بسرعة كبيرة كالبرق ليستفسر عن الخبر ولكن سيده قابله بقسوةٍ شديدة وضربه وقال له بألّا دخل له في الأمر. 

سيدنا سلمان في تلك اللحظة لم يكن يهتم بكلام سيده وصراخه، الشيء الوحيد الذي كان يفكر به ويشغل باله هو أنه كان مسروراً جداً

لأنه تيقن أنه في المكان الصحيح. 

وهنا ستبدأ رحلة سيدنا سلمان في البحث عن الحقيقة جولتها الثانية، وهي التأكد من أمر هذا الشخص الذي جاء إلى المدينة يدَّعي النبوة، هل حقاً يمتلك تلك العلامات الثلاثة التي أخبره بها ذلك الرجل المسيحي؟ هل حقاً سيكون هذا الشخص هو النبي الذي يبحث عنه سيدنا سلمان؟ 

أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي
 أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
بعد التقاء سيدنا سلمان بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد طول بحثٍ وعناء دعاه عليه الصلاة والسلام فجلس إليه سلمان و أخذ يحدِّثه بكل ما حدث معه بدءاً من أول حياته ولغاية اللحظة التي التقى فيها به، ثم أسلم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

بعد إسلام سيدنا سلمان قال له |الرسول عليه الصلاة والسلام| بأن يراسل سيده حتى يُحرَّر ويعتَق من العبودية، فكَاتَبَه وأُعتق من العبودية وأصبح حراً وواحداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.  

بعد خمس سنوات من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام كانت غزوة الخندق والتي تكلمنا عن تفاصيلها في مقالٍ سابق بعنوان: أعلام من الصحابة: سعد بن معاذ، ولكن ما نودُّ قوله هنا هو أنه حين اجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة للشورى واتفقوا على القتال والدفاع عن المدينة، صعد سيدنا سلمان على هضبةٍ عالية ونظر إلى المدينة من الأعلى فلاحظ ميزةً قويةً جداً تمتاز بها المدينة المنورة وهي أنها محاطةٌ بالجبال والصخور من جميع النواحي عدا فجوة واسعة أمام المدينة وهي الفجوة التي يستطيع من خلالها جيش المشركين الدخول إلى المدينة بكل سهولة، وهنا خطرت فكرةٌ ذكية في بال سلمان الفارسي الذي كان لديه معرفة جيدة جداً بفنون القتال والخداع في الحرب.  

وبالفعل تقدَّم سلمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم باقتراحٍ لم تعهده العرب من قبل وهو أن يقوم المسلمون بحفر خندقٍ أمام المدينة يغطي جميع المناطق المكشوفة فيها بحيث تكون المدينة محصَّنةً من جميع جوانبها، أُعجب النبي عليه الصلاة والسلام بالفكرة كثيراً وأمر الصحابة على الفور بأن يبدؤوا بحفر الخندق وبأسرع وقت، وقد كان جميع الصحابة وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفرون في الخندق. 

كان سيدنا سلمان قويَّ البنية إذ كانت ضربةٌ واحدةٌ منه على أكبر صخرة كفيلة بأن تجعلها شظايا مشتتة، ولكنه أثناء الحفر واجه صخرةً كبيرةً لم تنكسر معه بأي شكلٍ من الأشكال وباءت كل محاولاته لكسرها بالفشل لدرجة أن الصحابة عليهم السلام اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم تغيير مسار الخندق كله لأجل هذه المشكلة. 

فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟
وهل سيتغير مسار الخندق بسبب تلك الصخرة؟

أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي
 أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي  
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر 
 
 سنتابع الحديث  لنعرف مصير الصخرة الكبيرة التي عجز الصحابة عن تحطيمها أثناء حفر الخندق، ومن ثم ستنتهي هذه السلسلة بوفاة هذا الصحابي المغامر. 

عندما ذهب الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبروه بأمر الصخرة التي لم تنكسر واقترحوا عليه تغيير مسار الخندق ذهب عليه الصلاة والسلام ليعاين الصخرة

 وعندما رآها دعا بمِعوَلٍ وطلب من الصحابة الابتعاد عن مرمى الشظايا ثم سمَّى بالله ورفع كلتا يديه بالمِعوَل وهَوى على الصخرة فإذا بها تنشقُّ ويخرج من صدعها ضوءٌ وهَّاجٌ قال عنه سلمان الفارسي: 
"لقد رأيته يضيء جوانب المدينة"، ثم كرر النبي صلى الله عليه وسلم ضربه للصخرة مرةً والثانية حتى تفتت تماماً فهلَّل النبي صلى الله عليه وسلم وهلّل المسلمون من بعده

 وبهذا انتهى أمر تلك الصخرة وتم حفر الخندق.  

عندما وصل جيش المشركين الكبير إلى المدينة تفاجؤوا وانصدموا صدمةً كبيرةً مما شاهدوا، فعلى الرغم من أن حفر |الخندق| فكرة بسيطة إلا أنها لم تكن معهودة ومتوقعة أبداً عند العرب، وهكذا كانت فكرة سيدنا سلمان أحد أسباب انتصار المسلمين في غزوةٍ سُميت باسم فكرته |غزوة الخندق|. 

شهد سيدنا سلمان الفارسي كل الغزوات مع النبي عليه الصلاة والسلام، وكان عليه الصلاة والسلام عالماً بفطنة سلمان فعلّمه الكثير من العلم وكان يطري على خلقه وعلمه. 

أمدَّ الله تعالى بعمر سيدنا سلمان حتى عاش في عهد أبو بكر وعمر وعثمان عليهم السلام، في الفترة التي تلت وفاة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كانت المسؤوليات ثقيلة على كاهل الصحابة وذلك لأنها كانت فترة انتشار للإسلام وتحديات كبيرة للصحابة في أن يستطيعوا نشر الإسلام بعد وفاة سيدنا محمد، وكان بيت مال المسلمين بحاجة كبيرة للمال فكان سيدنا سليمان معطاءً جداً في ذلك إذ كان يقول: 
"أشتري خصوصاً بدرهم ثم أعمَله فأبيعه بثلاث، فأعيد درهماً فيه وأنفق درهماً على عيالي وأتصدق بالثالث، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت".

ومع مرور السنين تقدّم سيدنا سلمان في العمر

 وأصبح على فراش الموت فدخل عليه سعد بن أبي وقاص فبكى سلمان  ،فقال له سيدنا سعد: "ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ لقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنك"
 
فأجابه سيدنا سلمان: "والله ما أبكي خوفاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهِد إلينا عهداً فقال ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وها أنا ذا حولي هذه الأساود" بمعنى أشياء كثيرة 

فقال سعد: "فنظرت حولي فما وجدت إلا جفنةً ومطهرة، فقلت له يا أبا عبد الله اعهد إلينا بعهدٍ نأخذه عنك" 

فقال سيدنا سلمان: "يا سعد اذكر عند الله همتك إذا هممت، وعند حكمتك إذا حكمت وعند يدك إذا أقسمت". 

توفي سيدنا سلمان على فراشه لتنتهي  بوفاته حياةٌ كانت مليئة برحلات البحث عن الحق، حياة كانت مليئة بالصعوبات والمغامرات. 

وهكذا عزيزي القارئ يكون مقالنا المتواضع جداً في تسليط الضوء على بعض الجوانب من حياة الصحابي سلمان الفارسي قد اتتهى، أرجو أنه كان مفيداً بالنسبة لك. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/31/2022 02:31:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله
 أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله 
تصميم الصورة : ريم  أبو فخر 
أحدُ العشرة المبشَّرين بالجنة، أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، جار النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه شهيدٌ يمشي على الأرض، وأحد الرجال أصحاب الشورى الذين اختارهم سيدنا عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده. 

إنَّه  طلحة بن عبيد الله، لأخذ فكرة عن حياة هذا الصحابي الجليل تابع معنا المقال التالي. 

ولادة طلحة بن عبيد الله وصفاته

وُلِد طلحة بن عبيد الله في مكة المكرمة قبل الهجرة النبوية بجوالي ٢٨ سنة، وكان طلحة كثيرُ الشعر، حسنُ الوجه، أبيض الوجه مع حُمرة. 

قصة إسلام طلحة بن عبيد الله

كان طلحة في رحلة تجارية  إلى |البصرة|، وفي أثناء الرحلة قابل راهب سأله عن بلده، فأجابه طلحة بأنه من مكة، فقال له: سيظهر نبي في مكة وهذا هو زمنه، فاستبشر طلحة وعاد بالموكب إلى مكة ليجدها بالفعل على غير حالها، الناس جميعاً يتكلمون عن محمد الصادق الأمين الذي شَرَع يدَّعي النبوة ويقول بأن وحياً يُرسَل إليه وأن هناك رسالة قادمة إلى العرب خاصةً والناس عامةً، فأراد طلحة التأكد من صحة ما سمعه وفيما إذا كان محمد قد قال هذا بالفعل، فذهب لسيدنا أبو بكر وسأله عن الأمر فأجابه مباشرةً بأنه أسلمَ واتبع محمد، ثم أخذ سيدنا طلحة يفكر ويقول في نفسه

"هذان الرجلان لا يلتقيان في شرٍّ أبداً، ولا يجتمع الاثنان على ضلالةٍ أبداً، وقد بلغ محمدٌ الأربعين من عمره فما عهدنا عليه طيلة هذا العمر كذبةً واحدة، أَحين يكذب يكذب اليوم وعلى الله!  ويقول إنِّي أُرسِلت وأُرسل إليَّ وحي".

هكذا كان سيدنا طلحة يفكر ويتحاور مع نفسه، ثم إنه لم يجد أي مبرر يجعل شخصاً مثل محمد يكذب ويفتري، ولا شخصاً مثل أبو بكر يصدِّقه ويشدَّ على يده ويؤمن به سوى أن يكون ما جاء به محمد هو الحق وأنه رسولٌ من عند الله الواحد، فذهب سريعاً إلى بيت سيدنا أبو بكر ولم يُطِل عنده لأنه كان مشتاقاً لرؤية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فصَحِبَه |أبو بكر| إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليُسلم طلحة بن عبيد الله بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام. 

وهكذا كان سيدنا طلحة من السابقين الأوائل إلى الإسلام

أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله
 أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر
 سيدنا طلحة بين يدي رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بعد تفكير عميق في محاولة البحث عن الحقيقة

على الرغم من ثراء سيدنا طلحة الكبير في مكة وتجارته القوية وأمواله وثرواته الكثيرة إلا أن كل هذا لم يشفع له عند| قريش| إسلامه ولم يكن مانعاً لهم من اضطهاده كغيره ممَّن كان يسلم، ولكن سيدنا طلحة كان من المحظوظين إذ كانت تجارته مستمرةً بشكلٍ دائم، فكما قلنا أنه حين أسلم كان عائداً من إحدى رحلاته التجارية في البصرة وبعد إسلامه مباشرةً كان لديه رحلة تجارية إلى الشام، فأسلم وخرج في رحلته.

طلحة بن عبيد الله والهجرة

أثناء عودة طلحة من رحلته في الشام قابل النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر رضي الله عنه في عرض الصحراء فسألهما عن السبب، فأخبراه بأمر الهجرة إلى |يثرب|، أهداهما من كسوة أهل الشام التي أحضرها معه وأكمل طريقه إلى مكة، وعندما وصل إلى مكة ذهب إلى آل بيت سيدنا أبو بكر، أخذهم وخرج بهم إلى المدينة المنورة، وهكذا كانت هجرة طلحة بن عبيد الله مع آل بيت سيدنا أبو بكر إلى المدينة. 

طلحة بن عبيد الله وغزوة بدر 

على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، ذلك اليوم العصيب على المسلمين كان بحاجةٍ لكل فردٍ أن يكون معه في الحرب ويسانده إلا أنه عَهد لطلحة وسعيد بن زيد إنهاء مهمةٍ أخرى بعيداً عن المشاركة في الغزوة، فلم يشهد سيدنا طلحة غزوة بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم. 

عندما عاد طلحة وسعيد من مهمتهما إلى المدينة كان الجيش قد عاد منتصراً من غزوة بدر فأصابهما الألم في نفسيهما أن يكونا قد فوَّتا أجر المشاركة مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ من الغزوات، وليست أي غزوة، إنها الغزوة الأولى، أول حرب في الإسلام ضد الكفر والشرك، فطمأنهما النبي صلى الله عليه وسلم بأن لهما مثل ثواب الذين شاركوا في غزوة بدر، وقسم لهما من الغنائم مثل المحاربين والمقاتلين في ساحة الحرب.  

أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله
 أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر
  
بعد الحديث عن هجرة سيدنا طلحة ثم عدم مشاركته في غزوة بدر، سننتقل  إلى الحديث عن |غزوة أُحد| وبعض الألقاب التي أطلقها النبي عليه الصلاة والسلام على هذا الصحابي المقدام. 

طلحة بن عبيد الله وغزوة أُحُد

كما نعلم من مقالاتٍ سابقة تم الحديث فيها عن غزوة أُحد، أن وطأتها كانت شديدة جداً على المسلمين، ففي ذلك اليوم أخطأ الرماة وخالفوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم بألَّا ينزلوا من الجبل في أي حال إذ اعتقدوا أن الحرب قد انتهت فنزلوا ليجمعوا الغنائم، فاستغل الكفار نزولهم وعاودوا مهاجمة المسلمين مرةً ثانية بشكلٍ أشد وأعنف فتشتت جمع جيش الإسلام، وعندما رأى سيدنا طلحة ذلك بدأ فوراً يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجده قد زلَّت قدمه في حفرة فكان كالصيد السهل بالنسبة للمشركين، فركض على الفور لكي يلوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم كل اعتداءٍ يهاجمه ويصدَّ عنه كل ضربةٍ تأتيه، وبالفعل دافع عن سيدنا |محمد صلى الله |عليه وسلم أفضل دفاع حتى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت عنه:  

"كان أبو بكر إذا ذُكر يوم أُحد قال: إن ذلك كله كان يوم طلحة، كنت أول مَن جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لي ولأبي عبيدة بن الجراح: دونكم أخاكم، فنظرنا إلى طلحة فإذا به بضعٌ وسبعون طعنةً أو ضربةً أو رمية وإذا بإصبعه مقطوع فأصلحنا من شأنه". 

هذا ما فعله طلحة في يوم أُحد، موقفٌ شجاعٌ يستحق أن يقال عنه ما قيل. 

طلحة الخير

شهد سيدنا طلحة كل الغزوات مع الرسول عليه الصلاه والسلام وكان دائماً في مقدمة الصفوف يبغي وجه الله ويحارب في سبيله ويفتدي راية رسوله وروحه، حتى لقَّبه النبي صلى الله عليه وسلم بطلحة الخير. 

طلحة الجَواد

كان سيدنا طلحة عليه السلام شديد الكرم والعطاء، وقد كان كما ذكرنا سابقاً ثرياً جداً فكان كلما طلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مالاً لبيت مال المسلمين من أوائل الناس المتبرعين، كما كان يُنفق من ماله بغير حساب، فلقَّبه النبي صلى الله عليه وسلم بطلحة الجواد، ومما ذُكر عن زوجته أنها قالت:  

"دخلتُ عليه ذات يومٍ فرأيته مهموماً فقلت له: ما بك؟ فقال: المال الذي عندي قد كَثُر حتى أهمَّني وأكرمني، فقلت: ما عليك اِقسمه، فقام ودعا الناس وأخذ يقسم منه حتى لم يتبقى منه درهمٌ واحد". 

عطاءٌ لا يوصف وموقفٌ جليلٌ جداً من سيدنا طلحة وزوجته أيضاً.

أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله
 أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر

طلحة بن عبيد الله وفتنة عثمان

أمدَّ الله في عمر سيدنا طلحة حتى شهد فتنةٌ كانت من أصعب الفتن على الصحابة عليهم السلام وهي فتنة |عثمان بن عفان|.  فكان موقف سيدنا طلحة مؤيداً للمعارضين لسيدنا عثمان وكان يزكِّي ما يريده المعارضون، لكن سيدنا طلحة لم يكن يتخيل أبداً أن يصل الموقف لما وصل ويؤدي لاستشهاد سيدنا عثمان وهو لم يشترك على الإطلاق بأي شكلٍ من الأشكال في قتل سيدنا عثمان بن عفان سواء أكان تحريضاً أو دعماً أو مشاركةً فعلية في قتله.  

بعد استشهاد عثمان بن عفان بدأ سيدنا |علي بن أبي طالب| بأخذ البيعة من المسلمين فأخذها من طلحة والزبير بن العوام، ثم استأذناه حتى يخرجا في عمرةٍ إلى مكة، ومن مكه ذهبا إلى البصرة وفي ذلك الوقت في البصرة كان هناك جماعة تتشكَّل للأخذ بثأر عثمان بن عفان، ووقعت |موقعة الجمل| التي التقى فيها فريقين: الفريق المطالب بدم عثمان بن عفان والفريق المناصر لعلي بن أبي طالب، وأثناء اصطدام الفريقين لاحظ سيدنا علي وجود طلحة والزبير في الجيش المقابل المطالب بالثأر لعثمان، فطلبهما وتحدث معهما. 

استشهاد طلحة بن عبيد الله

بعد الحديث مع الإمام علي اقتنع طلحة والزبير بأن عليهما ألا يشارك في هذه الفتنة والحرب على الإطلاق وبالفعل انسحبا منها، ولكن للأسف انسحاب طلحة والزبير من تلك الحرب كان إعلاماً بنهاية حياتهما فقد تم اغتيال الصحابيان ليستشهدا في سبيل الله. 

شارك الإمام علي كرَّم الله وجهه في دفن طلحة والزبير ولما انتهى ودَّعهما قائلاً:

'اللهم إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان من الذين قلت فيهم:  

بسم الله الرحمن الرحيم "وَنَزَعْنَا مَا فِيْ صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِيْن" صذق الله العظيم 

ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 

'طلحة والزبير جاريَّ في الجنة"

وهكذا كانت نهاية حياة طلحة بن عبيد الله في زمن الفتنة. 

بالطبع حياة سيدنا طلحة كان فيها الكثير من التفاصيل المهمة التي لم يسعنا ذكرها هنا، ولكن كما نقول دائماً هذا ليس إلا باباً للدخول منه إلى عالم هذا الصحابي والقراءة عنه وعن سيرته بالتفضيل. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/27/2022 12:52:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب
 أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر   
النَّاس في الحياة أجناسٌ وألوان، منهم الصالحون ومنهم الفاسدون، منهم مَنْ يختار مساندة أهله والوقوف معهم ومنهم مَن يتخلى عن أهله، منهم مَن يوظِّف إمكاناته وقوته في نصرة الحق ومنهم مَن ينصر الباطل.  

سنتحدث في هذا المقال عن أحد الأخيار الذي كانت اختياراته دائماً في مكانها الصحيح حمزة بن عبد المطلب.  

سيدنا حمزة بن عبد المطلب بن هشام سيد قريش وسيد مكة كلِّها هو عمُّ الرسول مُحَمَّد صلَّى الله عليه وسلم، وسيِّد الشهداء، أسد الله ورسوله، ولقِّب بأبي عِمَارة، وُلِدَ حمزة في مكة المكرمة قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي سنتين أو أربع سنوات حسب بعض المصادر.  

صفات سيدنا حمزة في الجاهلية

كثيراً ما كنا نجد الصفة وضدها تجتمعان في شخصِ سيدنا حمزة عليه السلام، الذي عُرف بالشجاعة حين يتطلب الأمر والسماحة واللطافة واللين في أحيان أخرى، كما كان يتمتع بأجمل صفات العرب مثل: الكرم والسخاء، إضافةً لكونه أشد فتى في قريش وأكثرهم شجاعة.  

نشأ سيدنا حمزة في بيئة قريش الصعبة جداً، والتي علَّمته استخدام السلاح منذ الصغر، وعلى الرغم من سنِّه الصغيرة إلا أنه شارك في حرب الفجار التي كان لها دوراً كبيراً جداً في تدريب سيدنا حمزة على الشدة والبأس في شخصيته واستخدام السلاح.  

في هذه الفترة وُلِدَ ابنٌ لأخ سيدنا حمزة، عبد الله بن عبد المطلب وهو: مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب عليه أفضل الصلاة والسلام، ولد بعد ولادة سيدنا حمزة بسنتين أو أربع سنوات كما دكرنا، فكان أقرب أفراد العائلة له سناً. 

من المواقف التي تبيِّن قرب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لعمه حمزة

هو أنه عندما عرضت |السيدة خديجة بنت خويلد| "أم المؤمنين" الزواج على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سيدنا حمزة أحد الأشخاص الذين أخذ سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام المشورة منهم في أمر الزواج ذاك، إذ لم يكن هناك شيءٌ يعكِّر صفو العلاقة ما بين سيدنا حمزه وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام سوى الدعوة للدين الاسلامي وعبادة الله الواحد.  

مع بداية جهر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالدعوة إلى الله الواحد الأحد لم يكن سيدنا حمزة مع ابن أخيه ولم يُرِد الابتعاد عن عقيدة آبائه وأجداده، على الرغم من محبته الشديدة واحترامه الكبير لمحمد صلى الله عليه وسلم، وما كان يحصل آنذاك هو أن جميع القرشيين كانوا يذمّون الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذ سيدنا حمزة موقف الحَذِر، المراقب الصامت، ملتزم بالحياد وعدم الإساءة لابن أخيه، على الرغم من انبهاره الشديد تجاه ثباته على عقيدته بالرغم من أنهما تربَّيا في بيتٍ واحد، فلم يكن لدى سيدنا حمزة شكٌّ بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، لكنه لم يكن مؤمنٌ به بعد. 

ترقبٌ شديدٌ كان يعيشه سيدنا حمزة، خوفٌ وقلقٌ على ابن أخيه حتى جاء اليوم الموعود. 

أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب
 أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر
   
 سيدنا حمزة لم يؤمن بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، بالرغم من محبته الشديدة له، لكنه كان يعيش حالة خوفٍ وقلقٍ دائمٍ عليه حتى جاء ذلك اليوم الذي أسلم فيه.  

لمعرفة قصة إسلام حمزة بن عبد المطلب فلتتابعْ 

قصة إسلام حمزة عليه السلام

 في يومٍ من الأيام خرج سيدنا حمزة من قبيلته قاصداً الصحراء للصيد والتي كانت هوايته المفضلة، وكان حمزة صياداً ماهراً جداً، وكان من عاداته أنه حين ينتهي من الصيد ويرجع إلى مكة يذهب للكعبة ويطوف حولها، ثم يعود إلى منزله. 

 وبالفعل عندما انتهى من الصيد و عاد إلى مكة قاصداً الكعبة المشرفة قابلته خادمة عبد الله بن جدعان، وقالت له: يا أبا عِمَارة لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد آنفاً من أبي الحكم، وجده جالساً هناك فأذاه وسبَّه وبلغ منه ما يكره، وشرحت له كل ما فعله أبوجهل بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من إيذاءٍ وضربٍ وسبٍّ وشتم. 

غضب سيدنا حمزة كثيراً وأكمل طريقه إلى الكعبة ليجدَ أبو جهل جالساً بين مجموعةٍ من |قريش|، ودون أي سابق إنذار يأخذ سيدنا حمزة قوسه و يضرب أبو جهل على رأسه ضربةً تسيل دمه، وتترك الجميع في دهشة.  

 كان أبو جهل وحمزة من سادات قريش، فكيف يحصل هذا؟

 تساؤلات يغرق بها الجميع، كيف لاثنين من سادات قريش أن يفعلا هذا ببعضهما علناً وأمام الجميع؟ ولماذا؟ ليقطع سيدنا حمزة تلك الدهشة بقولٍ صادمٍ أكثر يوجهه لأبو جهل: أتشتمُ محمداً وأنا على دينه، وأقول ما يقول؟ 

ياللهول أسلم حمزة!  نسي الجميع ما حصل لأبو جهل، والتفتوا لما نطق به حمزة.  

 فإسلام حمزة لم يكن بالأمر العادي، حمزة كان رجلاً قوياً جداً، شجاعاً لأبعد الحدود، مما دبَّ الرعب بقلوب جميع الكفار، كما أن إسلامه سيزيد من بأس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك إضافةً إلى أن أحد أعمام الرسول يؤمن به أمرٌ سيزيد من ثقة سيدنا محمد وسيرفع من معنوياته، وتشجيعٌ لجميع الخائفين من دخول الإسلام، وكيف يخافون وقد أصبح فيهم حمزة.  

 ولكن على الرغم من دخول حمزة الإسلام إلا أن تساؤلاتٍ كثيرة لا زالت تخطر في باله، لماذا أسلمت؟ كيف أسلمت؟ ومتى أسلمت؟ هل من السهل هكذا في لحظة غضب أن أنسى دين آبائي وأجدادي وأقف ضدهم؟ هل صوابٌ أن أؤمن بدينٍ آخر لا أعرف مبادؤه ولا أعرف ماذا يعبدون ومَنْ يعبدون؟

أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب
 أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر   

 كيف أسلم سيدنا حمزة عليه السلام وكيف دافع عن ابن أخيه أمام أبو جهل

 كانت تساؤلات كثيرة تخطر في باله بعدما أعلن إسلامه.  

أمضى سيدنا حمزة الليلة وهو يفكر فيما إذا كان على استعدادٍ حقٍّ للدخول في دين محمد، في حين كان يشعر بحنين لدينه الأصلي، ومع زيادة الصراع الداخلي بين عقله وقلبه، وعدم اتضاح الأمور في ذهنه قرر الذهاب إلى الكعبة وأخذ يدعي ربه أن يهديه إلى الطريق الصحيح.  

كان سيدنا حمزة دائماً يقول: عندما كنت أكتحلُ بنومٍ وأتيتُ إلى الكعبة، وتضرعت الله أن يشرح صدري للحق، ويُذهِب عني الريب، استجاب الله لي، وملأ قلبي يقيناً…  ثم غادر الكعبة وذهب إلى |سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام| ووأخبره بكل ما حدث من ذهابه لأبي جهل إلى النهاية، فدعا له سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأن يهدي الله قلبه للإسلام. 

 ها هي باختصار شديد قصة إسلام سيدنا حمزة وإعلان إسلامه وبيعته للرسول عليه الصلاة والسلام. 

كان إسلام سيدنا حمزة مختلف

 ففي تلك الفترة كان المسلمين مستضعفين جداً، إذ كان غالبية أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام من الفقراء أو العبيد، ومن غير أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام، باختصار كانوا من المستضعفين عموماً في قريش، لهذا كان إسلام سيدنا حمزة أحد أعمام الرسول وأحد سادات قريش سنداً كبيراً له ولدعوته.  

بعد فترة من الزمن أذن الله لنبيِّنا محمد عليه الصلاة والسلام بالسماح لبعض المسلمين الموجودين في مكة الهجرة إلى |يثرب| هرباً من بطش قريش، فهاجرَ سيدنا حمزة قبل الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالطبع كان أحد أهم المؤسسين للدين الإسلامي في المدينة المنورة. 

كان المهاجرين الذين دخلوا يثرب في بادئ الامر يقومون بتعليم الأنصار |مبادئ الدين الإسلامي| لكي تتوسع رقعة الإسلام وتزداد أعداد المسلمين، ثم هاجر سيدنا محمد مع |أبي بكر الصديق| ليصبح القادة الموجودين في المدينة هم: محمد عليه الصلاة والسلام، أبو بكر الصديق، و|عمر بن الخطاب|، وحمزة رضوان الله عليهم أجمعين، اجتماعٌ فيه من الحكمة والقوة ما فيه.  

عندما غادر المهاجرين مكة راحلين إلى المدينة تركوا وراءهم منازلهم وأموالهم، نساءهم وأبناءهم وكل شيء لديهم، فقامت قريش بالاستيلاء على كل ما تركوه، وهنا كان لا بدَّ للمهاجرين بقيادة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أن يردوا اعتبارهم. 

كان ردُّ الاعتبار عن طريق اعتراض قافلةٍ لقريش ذاهبة من الشام إلى مكة، حيث كانت أقرب نقطة تمر فيها القافلة من المدينة هي منطقة اسمها سيف البحر، أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتشكيل سَرِيَّة من ثلاثين رجلاً لتنفيذ هذه المهمة، كان على رأسهم سيدنا حمزة عليه السلام وبالفعل استولى الصحابة على تلك القافلة ونجحوا في المهمة. 

أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب
 أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر   

بعد استيلاء المسلمين على قافلة قريش ثارت حفيظة الكفار و استشاطوا غضباً مما فعله المسلمون بقافلتهم فهي إهانةٌ لهم بين العرب، فقاموا بتجهيز الجيش لمواجهة المسلمين في مكانٍ اسمه بدر. 

كان من أعراف الحروب آنذاك أنها تبدأ بخروج مجموعة من كل جيش يتبارزون فرداً لفرد أمام الجيشين، فخرج من الكفار عتبة بن ربيعة، وابنه |الوليد بن عتبة|، وأخيه شيبة بن ربيعة، ثم خرج لمبارزتهم ثلاثة من الأنصار

- فسأل عتبة: مَن أنتم؟

- فأجابوا: نحن من الأنصار.  

- فردَّ عليهم: ما لنا بكم من حاجة، ونادى بصوته: يا محمد أخرج لنا أكفاءنا عن قومنا. 

- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: قم يا عبيدة (عبيدة بن الحارث)، قُمْ يا حمزة، قم يا علي (علي بن أبي طالب)  

- فلما خرجوا سألهم الكفار: من أنتم؟ فأجابوهم بأسمائهم، فقال الكفار: نعم أكفاءٌ كرام.  

وانتهت المبارزة بين الطرفين بانتصار المسلمين، حيث قُتل الكفار الثلاثة، واستشهد |عبيدة بن الحارث|، لتبدأ الحرب بعد ذلك بين المسلمين والكفار وتنتهي كما نعلم جميعاً بانتصار المسلمين عليهم. 

عاد الكفار إلى قريش بعد المعركة منكسرين مذلولين يتطلعون للأخذ بثأرهم من المسلمين، ولكن كانت هناك امرأةٌ لها ثأرٌ مختلف وهي |هند بنت عتبة|، والتي كانت تريد أخذ الثأر من سيدنا حمزة الذي قتل أبيها وعمها وأخيها وابنها.  

أثناء تجهيز الكفار جيشهم من أجل شنِّ حرب أخرى على المسلمين وردّ اعتبارهم، قامت هند بنت عتبة باستئجار عبدٍ حبشي اسمه وحشي لكي ينفذ عملية اغتيال في تلك الحرب لسيدنا حمزة. 

 قصة استشهاد سيدنا حمزة عليه السلام على لسان قاتله وحشي

كان يجلس وحشي مع رجلين ويحدِّثهما قائلاً: 

أمَا إني سأحدِّثكما كما حدَّثت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنت غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أُصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أُحُد قال لي جبير: إنْ قتلت حمزة عمُّ محمد بعمي فأنت عتيق، فخرجت مع الناس وكنت رجلاً حبشياً اقذف بالحربة قذف الحبشة، وقلَّما أُخطِئ بها شيئاً، فلما التقى الناس أخذت أنظرُ حمزة، أترقَّبه حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهدُّ الناس بسيفه هدَّاً، وما يقوم له شيء، والله إني لأتهيَّأ له وأستتر منه بشجرةٍ أو حجرٍ ليدنو مني فتقدَّمني له سُبَاع بن عبد العزة، فلما رآه سيدنا حمزة قال له: هلمَّ إليَّ يا ابن مُقطِّعة البذور، فضربه ضربةً كأنْما أخطأَ رأسه، وهزَزْت حربتي ودفعتها عليه فوقعت في ثَمَتِه حتى خرجت من بين رجليه، وذهب ليَنُوء نحوي فغُلِب، فتركته و إيَّاها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي ورجعت إلى العسكر وقعدت فيه فلم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأُعتَق.

حزن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على وفاة عمه حزناً شديداً، وانكسر لموته انكساراً عظيماً، فقد علمنا مما سبق قربهما لبعض، وقد كان حمزة بن عبد المطلب سنداً يستند عليه الإسلام، وحصناً منيعاً يدافع عن |الدعوة الإسلامية|، فأنزلَ الله سبحانه وتعالى الوحي بآياتٍ عدة على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يواسيه ويصبِّره ويعلِّم الناس كيف يتعاملون في حالاتٍ.

وبهذا عزيزي القارئ نكون قد وصلنا لختام مقالنا  في الحديث عن سيدنا حمزة عليه السلام، بالطبع هذا كلامٌ لا يفيه حقه ولكنه لمحةٌ مختصرة تفتح لكم باب القراءة والاستزادة عن هذا الرجل العظيم. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة 

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/26/2022 02:14:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو
 أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
رجلٌ بألفِ رجل، أول فارس في الإسلام، من السابقين الأوائل إلى الإسلام، أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بحبه، وهو المقداد بن عمرو.  للحديث عن هذا الصحابي الجليل والفارس الشجاع، وذكر لمحةٍ من حياته، تابع معنا المقال التالي. 

بدايةً مع والد المقداد بن عمرو وهو عمرو بن ثعلبة، والذي تورَّط بدمٍ في قومه إذ قتل شخصاً وصار مطلوباً للثأر، فقام بالهروب من قبيلته، والتجأ إلى حضرموت التي تقع في اليمن.  

بعد ذلك تزوَّج وأنجب المقداد، ثم كبر المقداد ووقع فيما وقع فيه أبيه من قبله، إذ تورط في مشكلةٍ في القبيلة التي كان يعيش فيها انتهت بقتله أحد الأشخاص، فقام المقداد بالهرب إلى مكة، وهناك قابلَ شخصاً يدعى| الأسود الزهري|، و لأنه كان صغير السنِّ قام الأسود الزهري بتبنِّيه، وأصبح الناس يطلقون عليه اسم المقداد بن الأسود، ولكننا نحن سنطلق عليه |المقداد بن عمرو| وذلك لما جاء في صريح النص القرآني:

بسم الله الرحمن الرحيم "ادعوهم لآبائهم" صدق الله العظيم.  

صفات المقداد بن عمرو  

كان المقداد بن عمرو رجلاً طويل القامة، عظيم البطن، كثيف شعر الرأس، مقرون الحاجبين، واسع العينين، مَهِيب الطلَّة، لحيته جميلة ليست بالكثيفة ولا بالخفيفة أو المتقطعة، من القلائل المشهود لهم بين العرب، ومن السابقين الاوائل للإسلام كما ذكرنا. 

 لم يهاجر المقداد بن عمرو مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك بسبب ارتباطه بالأسود الزهري، ولأن الفرصة لم تسنح له بالهروب من قريش والهجرة إلى المدينة المنورة. 

ليجد المقداد بن عمرو هو وشخصاً آخر كان مسلماً بالسر معه فرصةً للهرب من قريش أثناء إرسال سيدنا |محمد عليه الصلاة والسلام| للسرية التي اعترضت طريق قافلة قريش حين أراد |المهاجرون| ردَّ اعتبارهم بعد نهب قريش لجميع ممتلكاتهم التي بقيت في مكة، والتي كانت بقيادة سيدنا حمزة عليه السلام، وكنا قد ذكرنا ذلك بالتفصيل في مقالٍ سابق بعنوان "أعلام من الصحابة: |حمزة بن عبد المطلب| 

أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو
 أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر
  
 كما علمنا سابقاً أن السرية التي اعترضت قافلة قريش كانت سبباً في أول حرب يخوضها المسلمين مع قريش، وهي |معركة بدر| حيث كان يوم بدر يوماً  عصيباً جداً، ولكن بفضلٍ من الله سبحانه وتعالى، ووجود النبي عليه الصلاة والسلام، ورجال أكفاء حوله أمثال المقداد بن عمر كان النصر حليفهم. 

كان دائماً سيدنا عبد الله بن مسعود يقول عن المقداد بن عمرو في يوم بدر: لقد فعل المقداد مشهداً لَأَنْ أكون صاحبُه أحبُّ إليَّ مما في الأرض جميعاً، فما هو الموقف الذي فعله المقداد يوم بدر حتى يُقال عنه ذلك؟

 في يوم بدر اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة الكرام ليأخذ مشورتهم ورأيهم في الحرب، ثم طلب منهم الكلام، فتكلم أبو بكر وأحسنَ في كلامه، ثم تكلم عمر وأحسنَ في كلامه، ثم قام المقداد وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: "امضِ لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك ما قالت بني إسرائيل أنْ اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا ها هنا قاعدون، إنَّما نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون" 

وزاد على هذا الكلام بكلامٍ أشفى صدر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وطمأَنه بأن معه رجالاً يستميتون في الدفاع عن الإسلام، فابتسم النبي صلى الله عليه وسلم لكلامه ثم دعا له، وعلى صعيدٍ آخر دبَّ الحماس في صفوف المسلمين حتى قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: سيروا وأبشروا. 

كان الجيش آنذاك يحتوي على أكثر من نوع من الجنود مثل 

١- المشاة: وهم الذين يحملون السيوف والدروع والأشياء البسيطة فقط.  

٢- الرماة: وهم الذين يحملون القوس والسهم إضافةً للسيف والدرع إن أمكن.  

٣- الفرسان: وهم الذين يحملون السيوف والدروع راكبين على الخيول ليكونوا الأسرع في المعركة وبالطبع هم الأشد عرضة للخطر. 

فكان جيش المسلمين يوم بدر يحتوي على ثلاثة فرسان فقط، كان من ضمنهم المقداد بن عمرو والذي كان مقداماً جداً في تلك الغزوة، والكثير من الصحابة أثنوا على المواقف التي ظهرت منه أثناء الحرب. 

أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو
 أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  
تحدثنا  عن موقف المقداد بن عمرو الرائع  يوم بدر، وذكرنا كيف شهد له الصحابة مواقف رائعة ومقدامة في تلك الغزوة.  وللخوض في مواقف أخرى من حياة المقداد بن عمرو، فارس الإسلام   

 موقفٌ يدل على حكمة ورجاحة عقل المقداد بن عمرو

يتمثل هذا الموقف فيما قاله عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال 

جلسنا مع المقداد بن عمرو يوماً فمر به رجلٌ فقال له الرجل: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لوَددنا أنَّا رأينا ما رأيت، فقام المقداد إلى الرجل وبدا عليه الغضب وقال له:  ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضراً غيَّبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه، والله قد حضر رسول الله أقواماً كبَّهم الله على مناخرهم في النار لم يجيبوه ولم يصدقوه، أوَلا تحمدون الله إذ أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعرفون إلَّاه، مصدقين بما أتى به نبيكم، وقد كُفيتم البلاء بغيركم، والله لقد بعث الله النبي على أشد حالٍ بُعث عليه نبيٌّ في جهلٍ وجاهلية، ما يرون ديناً أفضل من عبادة الأوثان فجاء بالفرقان حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً، ليفتح الله قفل قلبه للإيمان ليعلم أنه قد هلك من دخل النار فلا تَقرّ عينه وهو يعرف أن حميمه في النار. 

بهذه الكلمات البسيطة استطاع المقداد أن يعبر عن تصور قد يخطر في بال أي شخص منا، فكم من شخص يتمنى لو عاش على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو كان من أصحابه، والعديد من الأفكار التي تجول في بالنا، فهذا الموقف يجعلك تحمد الله أنك وجدت وولدت مسلماً في الأصل، وأنك لم تعشْ تلك الفتنة التي عاشها كثيرون قبلك. 

ُذُكِر للمقداد بن عمرو أنه شهد جميع المشاهد و|الغزوات مع الرسول عليه الصلاة والسلام|، كما أنه شهد فتوحات مصر والشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.  

أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو
 أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  

موقفٌ يدل على حكمة المقداد بن عمرو

كان المقداد بن عمرو حكيماً عميق التفكير، إضافةً لشجاعته وفروسيته، فمن المواقف التي تُذكَر له: أنه في أحد الأيام ولَّاه الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الإمارات، ثم سأله كيف وجد الإمارة؟ 

فقال المقداد للرسول عليه الصلاة والسلام: لقد جعلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس، والناس جميعاً دوني، والذي بعثك بالحق لا أَأتمرَنَّ على اثنينٍ أبداً.  

وهذا على الرغم من أن المقداد كان كفئاً وأهلاً لمثل ذلك المنصب، لكن لمجرد أنه شعر بشيءٍ من الكبْر في نفسه رفض الوجود في ذلك المنصب بشكل قطعي، على الرغم من شدة محبة النفس للمناصب كما نعلم. 

هذا الموقف والموقف الذي ذكر في المقال السابق يبيِّنان أن المقداد كان رزين الفكر، عميق التفكير إضافةً لكل هذا كانت رغبة المقداد بن عمرو في نصرة الإسلام كبيرة و تفوق كل شيء.

كان المقداد في أحد الأيام ، قد خرج ضمن سرية تمت محاصرتها، فأمر أمير السرية ألا يرعى أحد دابته، ولكن أحد المسلمين قام بمخالفة ذلك الأمر، فقام الأمير بمعاقبته عقوبة شديدة لا يستحقها فعله البسيط ذاك، لدرجة شعور الرجل بالإهانة الشديدة، فوجده المقداد جالساً يبكي فأخذه من يمينه و انطلق به صوب الأمير، وأخذ يناقش الأمر بينهما وبيَّن للأمير خطؤه، ثم قال له: والأن أقدْه من نفسك ومكِّنه من القصاص، وبالفعل قام الأمير بما يجب فعله.  

وبعد ذلك قال المقداد بن عمرو:  لأموتنَّ والإسلام عزيز. 

مات المقداد بن عمرو في سنة ثلاث وثلاثين هجرية عن عمر يجاوز السبعين عاماً.

و في الختام لنذكر حديثاً حسن الإسناد عن المقداد بن عمرو وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله أمرني بحبِّ أربعة يحبهم: علي والمقداد وأبو ذر وسلمان. 

رواه الترمذي وابن ماجه. 

وبهذا عزيزي القارئ نكون قد وصلنا وإياك لنهاية هذا المقال من الحديث عن حياة الصحابي الجليل المقداد بن عمرو، وكما قلنا سابقاً فهذا المقال ليس إلا لمحة مختصرة جداً مما تيسَّر لنا ذكره. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة


مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/24/2022 05:19:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ
 أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر   
زعيمُ الأنصار، رجلٌ اهتزَّ لموته عرش الرحمن، صحابيٌّ عيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام حَكَماً في أمر يهود بني قريظة بعد غزوة الخندق، شارك في كل الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء حياته، إنَّه الصحابيُّ الجليل سعد بن معاذ، سنتحدث عن قصة إسلامه وعن بعض المواقف من حياته في هذا المقال.  

ماذا كانت صفات سعد بن معاذ؟ 

شابٌ في الواحد والثلاثين من عمره، وسيم الوجه، فارع الطول، جليل الهيئة، مشرق الوجه، عريض الجسم.  

كيف أسلَمَ سعد بن معاذ؟

 رأى النبي عليه الصلاة والسلام بعد بيعتي العقبة الأولى والثانية أنَّ يثرب ستكون مكاناً جيداً لنشر الإسلام، وخاصةً بعد أن بايعه عددٌ لا بأسَ فيه منها في بيعتي العقبة، ولذلك بدأ النبي صلوات ربي عليه بإرسال سفراء من الصحابة إلى يثرب لدعوة أهلها إلى الإسلام وتعريفهم بتعاليمه، وكان أول سفير هو: |مصعب بن عمير| الذي ذهب إلى يثرب كسفير للإسلام في منزل أسعد بن زرارة، حيث أن أسعد هو ابن خالة |سعد بن معاذ| الذي كان قائد وزعيم الأوس في يثرب، حيث يُذكَر أنه كانت يثرب آنذاك مقسومة لطائفتين هما الأوس والخزرج.  

 في الوقت الذي كان يتواجد فيه مصعب بن عمير في منزل أسعد بن زرارة كان سعد بن معاذ لا يزال غارقاً ببحر الكفر المظلم، وعندما سمع الخبر هبَّ غاضباً وانطلق إلى منزل ابن خالته ليطرد سفير الإسلام، رفضاً منه لتواجد أي دعوة للإسلام في يثرب على الإطلاق، ولكن عند اقترابه من الوصول إلى منزل ابن خالته هدَأت نفسه قليلاً وخطر في باله أن يسمع لما يقوله هذا السفير قبل أن يطرده، وبالفعل استمع سعد بن معاذ إلى القرآن من |مصعب بن عمير| فرقَّ له قلبه وخشع له، فأعلن إسلامه فوراً.

حدثٌ غير متوقع أبداً

 الرجل الذي كان قادماً بكامل غضبه وقوته ليطرد سفير الإسلام ويقضي على أي دعوةٍ له في يثرب، يستمع لآيات الله فيعلن إسلامه على الفور.  

ليس هذا فحسب، فبعد إسلامه مباشرةً خرج من منزل ابن خالته متجهاً نحو قبيلته  قبيلة بني عبد الأشهل ليطرح عليهم السؤال التالي:

- كيف تعلمون أمري فيكم؟ 

- ردّوا عليه: سيِّدنا وأوصلنا وأفضلنا رأياً وأيمنُنا نقيباً.

- فيُعلمهم بإسلامه ويدعوهم للدخول فيه، فتدخل القبيلة كلها في الإسلام دفعةً واحدة.  


أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ
 أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
عند هجرة النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى يثرب وتحوُّلها إلى المدينة المنورة بنور النبي عليه الصلاة والسلام، كانت بيوت بني عبد الأشهل -قبيلة سعد بن معاذ التي دخلت الإسلام فوراً بعد أن دعاهم لذلك- كلُّها مفتوحة لاستقبال المهاجرين، وأموالهم موضوعة تحت تصرفهم. 

 بعد ذلك حدثت قصة السَّرية التي أرسلها عليه الصلاة والسلام لمهاجمة قافلة قريش بقيادة سيدنا |حمزة بن عبد المطلب| والتي تم ذكرها في مقالٍ سابق بعنوان: أعلامٌ من الصَّحابة: حمزة بن عبد المطلب، يمكنك العودة إليه وقراءة القصة كاملة، وكما علمنا أن تلك السرية كانت سبباً في وقوع غزوة بدر. 

الموقف المَهِيب لسعد بن معاذ في غزوة بدر

لما علم المسلمون بتجهز قريش لمحاربتهم بعد قصة السريَّة أراد النبي مشورة أصحابه في أمور الحرب فتكلّم سيدنا أبو بكر وعمر والمقداد الذي ذُكِر موقفه أيضاً في مقالٍ سابق بعنوان: أعلامٌ من الصَّحابة: |المقداد بن عمرو|، و لكن هؤلاء جميعهم من المهاجرين والرسول كان يودُّ سماع رأي رجل من الأنصار، وذلك لأن الأنصار كانوا أكثريةً في الجيش، وما كان سيتكلم أحدٌ أفضل وأفصح من قائدهم سعد بن معاذ فتكلم قائلاً

والله لَكأنَّك تريدنا يا رسول الله.  

 فقال عليه الصلاة والسلام: أجل. 

 فردَّ عليه سعد: "فقد آمنَّا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ بنا يا رسول الله على ما أردت، فوَالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد وما نَكرَهُ أن تلقَ بنا عدواً غداً، إنَّا لَصبرٌ في الحرب، صدقٌ في اللقاء، ولعلَّ الله يُريك منا ما تَقَرَّ به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله"  

قول سعد بن معاذ هذا جعل الرسول عليه صلوات ربي يستبشر خيراً ويوقن أن المدينة كلها مهاجرين وأنصار، نساء ورجال موافقون على رأي رسول الله بخوض الحرب. 

 فقال رسول الله: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، واللهِ لكأنِّي  أنظر إلى مصارع القوم. 

وحدثت الغزوة وانتصر المسلمون انتصاراً ساحقاً بفضل الله. 

أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ
 أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  
بعد بدر أتت غزوة أُحُد لتؤكِّد على مواقف سعد بن معاذ الشجاعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد تشتت الجيش في غزوة أحد بسبب مخالفة الرماة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام كان سعد بن معاذ كالمسمار بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام والدرع الحامي الذي يتصدى لأي اعتداء يهاجمه خلال الحرب ويدفع عنه أي ضرر ، ثم بعد |غزوة أحد| تأتي غزوة الخندق، وهي الغزوة التي أُصيب فيها سعد بن معاذ واستُشهِد بعد ذلك متأثراً بإصابته. 

لمحة عن أحداث غزوة الخندق

كان هناك في تلك الفترة أكثر من قبيلة يهودية تقطن المدينة المنورة، ما فعلٍوه في غزوة الخندق هو أنهم قاموا بالتعاون خلسةً مع قريش وتحريضهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ونظَموا معهم خطة خبيثة للقضاء عليه وعلى المسلمين.  

كانت خطة اليهود على الشكل التالي

تأتي قريش بجيش كبير جداً وتهاجم المدينة من الأمام لتحارب المسلمين كما في كل غزوة، وفي هذه الأثناء يتحرك اليهود في الداخل من خلف المسلمين ويعيثون في المدينة فساداً وخراباً، وذلك لكي يشتتوا جمع جيش الإسلام ويضعفوا مقاومته ويسهّلوا على قريش القضاء عليه. 

ليس هذا فقط بل ذهبوا لقبيلة غطفان وهي إحدى قبائل العرب الكبرى، ودعوهم للحرب ضد المسلمين مع قريش للقضاءعلى الإسام نهائياً.

لكن بطريقةٍ ما وصل مكر الكفار وخطتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع أصحابه للشورى (فكما نعلم كانت الشورى من أساسيات حكم النبي عليه الصلاة والسلام) وتوصلوا إلى خطة حفر خندقٍ أمام المدينة للتخفيف من وطأة الهجوم القادم من خارج المدينة، ثم بعثوا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما إلى اليهود وخصوصاً يهود بني قريظة الذين كان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عهوداً ومواثيق تفيد بعدم تدخلهم في الحرب، فذهب الصحابيان وقابلا قائد يهود بني قريظة

 ففاجأهما بقوله "ليس بيننا وبين محمد عهدٌ ولا عقد" 

فعادا للرسول صلى الله عليه وسلم وأخبراه بأن اليهود قد نقضوا عهدهم معه، فقام عليه الصلاة والسلام بإرسال رسله إلى قائد قبيلة غطفان ليطلبوا منه عدم الاشتراك في الحرب مع اليهود وقريش. 

فَ ماذا كان ردُّ قائد قبيلة غطفان على طلب المسلمين وكيف واجه المسلمون ذلك الرد؟

للإجابة عن هذا السؤال تابع معنا الجزء الثاني من المقال. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة


مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/24/2022 05:19:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ
 أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
قلنا في الجزء السابق أن الرسول عليه الصلاة والسلام حرصاً منه على تخفيف شدة الهجوم على المدينة المنورة قدر الإمكان بعد علمه بنقض اليهود عهودهم معه بعث رسله لقائد غطفان يطلبون منه عدم الاشتراك في الحرب، سنكمل هنا مع الرد. 

كان رد قائد قبيلة غطفان أنه اشترط على المسلمين مقابل تنفيذه لمطلبهم أن يعطوه ثلث ثمار المدينة، فرجع الرسل بذلك الرد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكالمعتاد أراد مشورة أصحابه  وخصوصاً|سعد بن معاذ و|سعد بن عبادة| وذلك لأنهما من كبار أهل المدينة قبل أن يهاجر الرسول إليها، فبعد عرض المسألة على الصحابة للشورى

 سأل سعد بن معاذ الرسول قائلاً

 "يا رسول الله أهذا أمرٌ تختاره أم وحيٌ أوحي إليك به؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أمرٌ أختاره لكم" 

فجاءه الرد قاطعاً من سعد بن معاذ: "يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم كانوا لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرةً إلا قِرَى أو بيع، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وعزَّنا به نعطيهم أموالنا، والله ما لنا بها من حاجة ووالله لا نعطيهم إلا السيف" 

كان هذا موقفاً مميزاً أيضاً لسعد بن معاذ يبيِّن مدى حرصه علي قوت المسلمين واستعداده لمجابهة جيشٍ كامل مقابل ألا يُنقِص من حقوقهم شيئاً.

اِطمأنَّ قلب النبي عليه الصلاة والسلام مباشرةً بعد ما سمعه من سعد بن معاذ وأنهى المساومة مع قبيلة غطفان، فبدأت غزوة الخندق بحصار| المدينة المنورة|، فتجهَّز المسلمون للحرب ولبسوا لباسها وخرج فيهم سعد بن معاذ مردِّداً بيوتاً من الشعر يحثُّ من خلالها الصحابة والمسلمين على الاستعداد للحرب ويذكّرهم بجمال الاستشهاد في سبيل الله فقال

"لبِّثْ قليلاً يشهد الهَيجا جمل  ما أجمل الموت إذا حان الأجل"

أُصيب سعد بن معاذ خلال الحرب بسهمٍ في ذراعه وسبَّب له نزيفاً، فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام ببناء خيمةٍ له بجوار المسجد النبوي لكي يتم علاجه فيها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً يزوره -أثناء الحرب وبعدها- ويطمئن على حاله حتى أنه عالجة أكثر من مرة بيديه الشريفتين. 

أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ
 أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر   

سعد بن معاذ في خيمة العلاج

 نظر سعد إلى السماء في إحدى المرات وهو في تلك الحالة ثم ناجى ربَّه ودعاه قائلاً: "اللهم إن كنتَ أبقيت من حرب قريشٍ شيئاً فأبقني له فإنه لا قومٌ أحبّ إلي من أن أجاهدهم من قومٍ آذَوا رسولك وكذّبوه وأخرجوه ، وإن كنتَ قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعل ما أصابني طريقاً للشهادة ولا تمتني حتى تُقَرَّ عيني من بني قريظة"

ثم يُهزَم الكفار بأمر الله ويهربون ويُفَك الحصار عن المدينة المنورة ولكن هل انتهت الحرب هكذا؟

بالطبع لم تنتهِ الحرب بهزيمة الكفار في ساحة المعركة وفك الحصار عن المدينة، فما زال اليهود الذين نقضوا العهود والمواثيق دون حساب، فماذا كان مصيرهم؟

أمر النبي عليه الصلاة والسلام بمحاصرة يهود بني قريظة، استمر الحصار قائماً لمدة ٢٥ يوم حتى أحسَّ زعيم يهود بني قريظة بثبات المسلمين وعدم نيتهم في التراجع، فقرر الاستسلام والتفاوض مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم أخبره بأنهم يريدون سعد بن معاذ ليحكم في أمرهم، وذلك لأنه كان بينهم وبين سعد بن معاذ عهوداً ومواثيق قبل الإسلام، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أمره لسعد بن معاذ بالمجيء إليه ليحكم في أمر اليهود. 

حُمِل سعد بن معاذ إلى النبي عليه الصلاة والسلام حملاً حيث كان جرحه لا يزال بحالة سيئة 

- وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "احكمْ في بني قريظة" 

- فحكم فيهم بأن: يُقتَل مقاتلوهم وتُسبى ذَراييهم وتقسَّم أموالهم. 

- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: "لقد حكمت فيهم بحكم الملك".  

رجع سعد بن معاذ إلى خيمته بعد أن استجاب الله له دعوته وأقرَّ عينه من |بني قريظة| وجعل حكمهم في يده، وفي إحدى الليالي انفجر جرحه وظلَّ ينزف حتى توفَّاه الله

 فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لموته: "اهتزَّ العرش لموت سعد بن معاذ".

وبهذا انتهت حياة هذا الصحابي الشجاع المقدام، حياته التي كانت مليئةً جداً بالمواقف  المَهيبة الرصينة والتي بالطبع لم نذكر سوى القليل منها.

وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية هذا المقال من الحديث عن سعد بن معاذ رضي الله عنه.  

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة 

يتم التشغيل بواسطة Blogger.