عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث الغزوات مع الرسول عليه الصلاة والسلام. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/24/2022 05:19:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ
 أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر   
زعيمُ الأنصار، رجلٌ اهتزَّ لموته عرش الرحمن، صحابيٌّ عيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام حَكَماً في أمر يهود بني قريظة بعد غزوة الخندق، شارك في كل الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء حياته، إنَّه الصحابيُّ الجليل سعد بن معاذ، سنتحدث عن قصة إسلامه وعن بعض المواقف من حياته في هذا المقال.  

ماذا كانت صفات سعد بن معاذ؟ 

شابٌ في الواحد والثلاثين من عمره، وسيم الوجه، فارع الطول، جليل الهيئة، مشرق الوجه، عريض الجسم.  

كيف أسلَمَ سعد بن معاذ؟

 رأى النبي عليه الصلاة والسلام بعد بيعتي العقبة الأولى والثانية أنَّ يثرب ستكون مكاناً جيداً لنشر الإسلام، وخاصةً بعد أن بايعه عددٌ لا بأسَ فيه منها في بيعتي العقبة، ولذلك بدأ النبي صلوات ربي عليه بإرسال سفراء من الصحابة إلى يثرب لدعوة أهلها إلى الإسلام وتعريفهم بتعاليمه، وكان أول سفير هو: |مصعب بن عمير| الذي ذهب إلى يثرب كسفير للإسلام في منزل أسعد بن زرارة، حيث أن أسعد هو ابن خالة |سعد بن معاذ| الذي كان قائد وزعيم الأوس في يثرب، حيث يُذكَر أنه كانت يثرب آنذاك مقسومة لطائفتين هما الأوس والخزرج.  

 في الوقت الذي كان يتواجد فيه مصعب بن عمير في منزل أسعد بن زرارة كان سعد بن معاذ لا يزال غارقاً ببحر الكفر المظلم، وعندما سمع الخبر هبَّ غاضباً وانطلق إلى منزل ابن خالته ليطرد سفير الإسلام، رفضاً منه لتواجد أي دعوة للإسلام في يثرب على الإطلاق، ولكن عند اقترابه من الوصول إلى منزل ابن خالته هدَأت نفسه قليلاً وخطر في باله أن يسمع لما يقوله هذا السفير قبل أن يطرده، وبالفعل استمع سعد بن معاذ إلى القرآن من |مصعب بن عمير| فرقَّ له قلبه وخشع له، فأعلن إسلامه فوراً.

حدثٌ غير متوقع أبداً

 الرجل الذي كان قادماً بكامل غضبه وقوته ليطرد سفير الإسلام ويقضي على أي دعوةٍ له في يثرب، يستمع لآيات الله فيعلن إسلامه على الفور.  

ليس هذا فحسب، فبعد إسلامه مباشرةً خرج من منزل ابن خالته متجهاً نحو قبيلته  قبيلة بني عبد الأشهل ليطرح عليهم السؤال التالي:

- كيف تعلمون أمري فيكم؟ 

- ردّوا عليه: سيِّدنا وأوصلنا وأفضلنا رأياً وأيمنُنا نقيباً.

- فيُعلمهم بإسلامه ويدعوهم للدخول فيه، فتدخل القبيلة كلها في الإسلام دفعةً واحدة.  


أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ
 أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
عند هجرة النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى يثرب وتحوُّلها إلى المدينة المنورة بنور النبي عليه الصلاة والسلام، كانت بيوت بني عبد الأشهل -قبيلة سعد بن معاذ التي دخلت الإسلام فوراً بعد أن دعاهم لذلك- كلُّها مفتوحة لاستقبال المهاجرين، وأموالهم موضوعة تحت تصرفهم. 

 بعد ذلك حدثت قصة السَّرية التي أرسلها عليه الصلاة والسلام لمهاجمة قافلة قريش بقيادة سيدنا |حمزة بن عبد المطلب| والتي تم ذكرها في مقالٍ سابق بعنوان: أعلامٌ من الصَّحابة: حمزة بن عبد المطلب، يمكنك العودة إليه وقراءة القصة كاملة، وكما علمنا أن تلك السرية كانت سبباً في وقوع غزوة بدر. 

الموقف المَهِيب لسعد بن معاذ في غزوة بدر

لما علم المسلمون بتجهز قريش لمحاربتهم بعد قصة السريَّة أراد النبي مشورة أصحابه في أمور الحرب فتكلّم سيدنا أبو بكر وعمر والمقداد الذي ذُكِر موقفه أيضاً في مقالٍ سابق بعنوان: أعلامٌ من الصَّحابة: |المقداد بن عمرو|، و لكن هؤلاء جميعهم من المهاجرين والرسول كان يودُّ سماع رأي رجل من الأنصار، وذلك لأن الأنصار كانوا أكثريةً في الجيش، وما كان سيتكلم أحدٌ أفضل وأفصح من قائدهم سعد بن معاذ فتكلم قائلاً

والله لَكأنَّك تريدنا يا رسول الله.  

 فقال عليه الصلاة والسلام: أجل. 

 فردَّ عليه سعد: "فقد آمنَّا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ بنا يا رسول الله على ما أردت، فوَالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد وما نَكرَهُ أن تلقَ بنا عدواً غداً، إنَّا لَصبرٌ في الحرب، صدقٌ في اللقاء، ولعلَّ الله يُريك منا ما تَقَرَّ به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله"  

قول سعد بن معاذ هذا جعل الرسول عليه صلوات ربي يستبشر خيراً ويوقن أن المدينة كلها مهاجرين وأنصار، نساء ورجال موافقون على رأي رسول الله بخوض الحرب. 

 فقال رسول الله: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، واللهِ لكأنِّي  أنظر إلى مصارع القوم. 

وحدثت الغزوة وانتصر المسلمون انتصاراً ساحقاً بفضل الله. 

أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ
 أعلامٌ من الصَّحابة  سعد بن معاذ  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  
بعد بدر أتت غزوة أُحُد لتؤكِّد على مواقف سعد بن معاذ الشجاعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد تشتت الجيش في غزوة أحد بسبب مخالفة الرماة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام كان سعد بن معاذ كالمسمار بجانب الرسول عليه الصلاة والسلام والدرع الحامي الذي يتصدى لأي اعتداء يهاجمه خلال الحرب ويدفع عنه أي ضرر ، ثم بعد |غزوة أحد| تأتي غزوة الخندق، وهي الغزوة التي أُصيب فيها سعد بن معاذ واستُشهِد بعد ذلك متأثراً بإصابته. 

لمحة عن أحداث غزوة الخندق

كان هناك في تلك الفترة أكثر من قبيلة يهودية تقطن المدينة المنورة، ما فعلٍوه في غزوة الخندق هو أنهم قاموا بالتعاون خلسةً مع قريش وتحريضهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ونظَموا معهم خطة خبيثة للقضاء عليه وعلى المسلمين.  

كانت خطة اليهود على الشكل التالي

تأتي قريش بجيش كبير جداً وتهاجم المدينة من الأمام لتحارب المسلمين كما في كل غزوة، وفي هذه الأثناء يتحرك اليهود في الداخل من خلف المسلمين ويعيثون في المدينة فساداً وخراباً، وذلك لكي يشتتوا جمع جيش الإسلام ويضعفوا مقاومته ويسهّلوا على قريش القضاء عليه. 

ليس هذا فقط بل ذهبوا لقبيلة غطفان وهي إحدى قبائل العرب الكبرى، ودعوهم للحرب ضد المسلمين مع قريش للقضاءعلى الإسام نهائياً.

لكن بطريقةٍ ما وصل مكر الكفار وخطتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع أصحابه للشورى (فكما نعلم كانت الشورى من أساسيات حكم النبي عليه الصلاة والسلام) وتوصلوا إلى خطة حفر خندقٍ أمام المدينة للتخفيف من وطأة الهجوم القادم من خارج المدينة، ثم بعثوا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما إلى اليهود وخصوصاً يهود بني قريظة الذين كان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عهوداً ومواثيق تفيد بعدم تدخلهم في الحرب، فذهب الصحابيان وقابلا قائد يهود بني قريظة

 ففاجأهما بقوله "ليس بيننا وبين محمد عهدٌ ولا عقد" 

فعادا للرسول صلى الله عليه وسلم وأخبراه بأن اليهود قد نقضوا عهدهم معه، فقام عليه الصلاة والسلام بإرسال رسله إلى قائد قبيلة غطفان ليطلبوا منه عدم الاشتراك في الحرب مع اليهود وقريش. 

فَ ماذا كان ردُّ قائد قبيلة غطفان على طلب المسلمين وكيف واجه المسلمون ذلك الرد؟

للإجابة عن هذا السؤال تابع معنا الجزء الثاني من المقال. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة


مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 5/21/2022 01:57:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر  

واحدٌ من السابقين الأوائل للإسلام، من أشد الصحابة الذين استُضعفوا في مكة، ممَّن هاجروا إلى الحبشة ثم هاجروا إلى يثرب، وشارك النبي عليه الصلاة والسلام في كل غزواته، ومن الصحابة الذين مات صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم، إنه الصحابي الفاضل عمار بن ياسر. 

للخوض في بعض المعلومات عن هذه الشخصية العظيمة تابع معنا هذا المقال.  

 ولادة عمار بن ياسر

في البداية سنتحدث عن والد عمار بن ياسر "سيدنا ياسر"، ياسر في الأصل لم يكن من مكة إنما هو من اليمن، خرج منها وسافر متجهاً إلى مكة ثم استقر فيها، وعندما وصل عقد حلفاً مع شخص يدعى أبو حذيفة بن المُغيرة، وعاش ياسر في مكة ثم زوّجه أبو حذيفة من سمية بنت خِيَاط مكية الأصل، فتزوج ياسر من سمية وأنجبوا عمار ليكون عمار بن ياسر. 

 إسلام آل ياسر 

كانت عائلة عمار مجتمعة من أسرع الناس الذين شرح الله صدرهم للإسلام فأسلموا جميعاً واتبعوا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا من السابقين إلى الإسلام. 

 تعذيب واضطهاد آل ياسر في مكة 

كما هي الحال مع كل الصحابة الذين كانوا يتبعون دين محمد في مكة تعرّض آل ياسر لشتى ألوان العذاب والاضطهاد، وما زاد في استضعافهم أنهم كما نعلم في الأصل ليسوا من مكة فليس لديهم سند أو ظهر يحميهم فكانوا أقرب إلى العبودية لذلك استضعفوا وبشدة في مكة.  

كانت مهمة تعذيب آل ياسر موكلة إلى بني مخزوم الذين كانوا يُخرجون العائلة كلها إلى صحراء مكة التي كانت تلقب بالرمضاء لشدة حرّها، يخرجون ياسر وسمية وعمار إلى الصحراء الملتهبة ويتفننون في تعذيبهم بكل قسوة فلب.  

كان صلى الله عليه وسلم يخرج إليهم ويراهم وهم يعذبون ولا يستطيع أن يدفع عنهم العذاب، حتى أن الكثير من |الصحابة| الذين اشتد عليهم العذاب والبغي من قريش كانوا يذهبون إليه صلى الله عليه وسلم ويشكون له عذابهم ومعاناتهم من قريش دون أن يملك لهم نفعاً، ولكنهم كانوا يعلمون أنه لا بدَّ من التضحية فما يحاربون لأجله ليس أمراً عادياً وإنما هو أمر عظيم سيغير مجرى الكون كله، بعد ذلك نزل وحي إلهي على النبي بآياتٍ تصبِّر الصحابة على العذاب.  

أيُّ تضحيةٍ تلك التي قدمها آل ياسر؟! 

في إحدى المرات التي كان فيها النبي ماراً بهم ناداه عمار وقال له: 

 يا رسول الله لقد بلغ منَّا العذاب كل مبلغ. 

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم طمأنةً لهم وتصبيراً لهم على العذاب: 

- "صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة" 

وعدٌ مباشر من النبي عليه الصلاة والسلام لآل ياسر بالجنة. 

أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر
  
 قيل في كثير من الأحاديث عن |عمار بن ياسر| أنه من شدة التعذيب أصيب بالهذيان وكان لا يدري ما يقول، وكما قال عمرو بن ميمون: 
أحرق المشركون عمار بالنار فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرُّ عليه ويمرر يده على رأسه ويردد: "يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنتِ برداً وسلاماً على إبراهيم". 

ظلّ سيدنا عمار صابراً على كل العذاب الذي كان يلاقيه حتى جاء يومٌ ونفذت فيه طاقته، إذ كانوا يكووه بالنار ويرموه على الحصى في الصحراء ثم يأخذونه ويضعونه في الماء حتى تحترق أنفاسه ويتقرَّح جسده، فاشتد عليه العذاب كما رأى أمه في ذلك اليوم تموت تحت التعذيب ففقد وعيه وأصبح يهذي، فقال له المشركون: أُذكر آلهتنا بالخير، فأخذ يردد وراءهم ما يقولونه دون وعي منه ولا إدراك، لكنه عندما عاد لوعيه واستجمع شتات نفسه من جديد فطن لما حدث وتذكر أنه من شدة العذاب نسي الله وذكر آلهتهم فأخذ يجلد نفسه جلداً لا يوصف وتأثرت نفسيته بذلك كثيراً.

بعد هذا الحادث مرَّ سيدنا محمد على عمار فوجده يبكي بحرقة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ما جرى لعمار ولأمه وأبيه وعلم ما قاله عمار فأخذ النبي يمسح دموعه ويقول له: 
"أخذك الكفار فغطّوك في الماء فقلت كذا وكذا؟"
فأجابه عمار وهو يبكي: نعم يا رسول الله 
فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم وقال له: "إن عادوا فقل لهم مثل قولك" وتَلَا عليه آيات من القرآن، فعاد عمار لهدوء نفسه واستجمع قواه من جديد ولم يعد يبالي بأي نوع من العذاب، فقد نزلت فيه البشرى وآيات من القران فماذا يريد بعد ذلك؟!

ظلّ عمار صابراً محتسباً حتى يئس منه معذبوه، ثم كانت |الهجرة إلى المدينة| فهاجر عمار مع الرسول عليه الصلاة والسلام واستقر حال المسلمين في المدينة المنورة.  

كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحب عمار حباً شديداً ويباهي به أصحابه ويقول عنه صلى الله عليه وسلم: "إن عمار مُلِئ إيماناً إلى مشاشه'.

أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر
حصل سوء تفاهم في إحدى المرات بين سيدنا عمار بن ياسر و سيدنا |خالد بن الوليد| فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: 

"مَن عادى عمار عاداه الله، ومَن أبغض عمار أبغضه الله"
فما كان من سيدنا خالد بن الوليد إلا المسارعة إلى عمار والاعتذار منه وتصحيح الموقف. 

 شهد سيدنا عمار بن ياسر بدر وأُحد والخندق وتبوك وكل الغزوات مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان عمار في عهد الخلفاء الراشدين أيضاً أهلاً للثقة فقد شارك في حروب الردة، رضي الله عنه، وشارك في فتوحات الروم والفرس، وكان عمار بن ياسر دائماً في الصفوف الأمامية في القتال. 

 في خلافة عمر بن الخطاب عَهِد إلى عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود بيت المال، ولما أراد سيدنا عمر أن يولِّي أحداً على الكوفة ولَّى عمار بن ياسر. 

 ومن فضائله أيضاً أن الحذيفة بن اليمان العالم بلغة السرائر لما كان على مشارف الموت سأله أصحابه: بمن تأمرنا إذا تخلَّف الناس.  
فأجابهم: عليكم بابن سمية فهو لا يفارق الحق حتى يموت.  

أتى زمن الفتنة فمات في سبيل الله عثمان بن عفان وكانت الولاية من بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فبايعه عمار بن ياسر، 
هنا يجب ذكر حادثة حدثت لعمار في عهد النبي عليه الصلاة والسلام

 "كان سيدنا عمار مرةً يعمل بجانب جدارٍ، فوقع الجدار عليه فبلغ ذلك الخبر للنبي صلى الله عليه وسلم فهروَل إليه، فلما وصل النبي عليه الصلاة والسلام كان الناس قد ظنوا أن عمار مات ولكنه عليه الصلاة والسلام قال: 
"ما مات عمار، تقتله الفئة الباغية"

 وبالعودة إلى زمن الفتنة حيث اختلف المسلمون وراح البعض يبايعون علي بن أبي طالب والبعض يبايعون معاوية بن أبي سفيان، وكل فئة على يقين أنها تنصر الإسلام، وهنا لن ندخل بتفاصيل هذه الفترة التي كانت مليئة بالأحداث التاريخية، بل سنركز على سيدنا عمار الذي قلنا أنه بايع سيدنا علي. 

وجاء يوم صفِّين - فئتين من المسلمين يقتتلوا- فخرج سيدنا عمار في جيش |علي بن أبي طالب| وهو في الثالثة والتسعين من عمره، فلما علم رجال معاوية أن عمار في الجيش أخذوا يبتعدون عنه حتى لا يكونوا الفئة الباغية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، إلا أن شراسة عمار بن ياسر في القتال أدت لإصابته بجروح كثيرة واستشهاده فانتشر الخبر وأعيد في أذهان الصحابة جميعهم ما ذكره النبي عن مقتل عمار. 

بعيداً عن تبعات هذا الأمر لما علم سيدنا علي بمقتل عمار حمله بيديه على صدره حتى أخذه في مكان دفنه، ودفنَه بثيابه ودعا له وصلى عليه وصلى المسلمون من خلفه.  

وبهذا انتهت حياة أحد الصحابة السابقين المستضعفين الذين سيحكمون العالم من بعد ذلك، وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية مقالنا، وكما نقول دائماً إننا فقط نذكر لمحة سريعة عن حياة هذا الصحابي لنفتح لك المجال لتبحث في الكتب وتقرأ أكثر وتستزد عن هذا الصحابي الشجاع. 
فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 5/21/2022 01:57:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف)
أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف) 
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر
من السباقين الأوائل إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وممَّن اختارهم عمر بن الخطاب في أمر الشورى ليولُّوا الخليفة من بعده، إنَّه الجواد المعطاء عبد الرحمن بن عوف. 

للحديث أكثر في بعض الحقائق عن هذا الصحابي الجواد تابع معنا المقال التالي.  

 ولادته وصفاته

ولد عبد الرحمن بن عوف في مكة بعد عام الفيل فكان أصغر من الرسول عليه الصلاة والسلام بعشر سنوات، كان يدعى في الجاهلية "عبد عمر"، ومن صفاته كما وصفته زوجته أنه رجل طويل، أبيض الوجه مختلط معه الحمرة، جميل الوجه أحسنه، عريض الكتفين، فارع الطول، ورقيق البشرة.  

كان مثابراً جداً إذ كانت تجارته كبيرة ومستمرة وكان يعدّ من الأغنياء في مكة.  

 إسلامه

عندما نزل الأمر الإلهي على سيدنا محمد  عليه الصلاة والسلام بالدعوة لدين الحق دين الإسلام، بدأ سيدنا محمد ومعه أبو بكر رضي الله عنه بالدعوة للدين الإسلامي في مكة، فأسلم على يد سيدنا أبي بكر الكثير من الصحابة وكان من أولهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ثم عاش عبد الرحمن في مكة بعد إسلامه - كما الحال مع كل الصحابة - في استضعافٍ وشدة ولم يكن غِناه الشديد شفيعاً له.  

 هجرته إلى المدينة

كان عبد الرحمن رضي الله عنه من الأشخاص الذين هاجروا إلى الحبشة ثم عادوا إلى مكة، ثم هاجروا إلى المدينة المنورة وهناك حدثت المؤاخاة بين المهاجرين الذين استضعفوا في مكة وهاجروا تاركين كل ممتلاكهم خلفهم وبين الأنصار في المدينة، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين |سعد بن الربيع|، وقد كانت هذه المؤاخاة الأشهر وذلك لأن سعد عرض على عبد الرحمن أن يناصفه في كل شيء، سواء في كل ما يملكه من مال وعيال، فكان رد سيدنا عبد الرحمن: "بارك الله لك في أهلك ومالك، بل دلَّني على السوق" أي قرر رغم كل شيء أن يبدأ تجارته من جديد فدلّه سعد على السوق فعمل في |التجارة| من جديد، وبارك الله له في تجارته حتى أصبح من أغنى الصحابة في المدينة المنورة. 

ولكن اتساع تجارة سيدنا عبد الرحمن وغناه وثراءه الكبير لم يؤثر أبداً على كونه أحد المجاهدين في الإسلام، فعندما كان ينادي المنادي إلى الجهاد كان من أول الخارجين مع رسول الله وهو من الذين قيل فيهم: "كانوا في الجهاد أمام النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصلاة خلفه".

أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف)
أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف) 
تنسيق الصورة : ريم أيو فخر  

 في غزوة أحد

كما ذكرنا أن عبد الرحمن رضي الله عنه كان من المجاهدين الأوائل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد شهد كل الغزوات معه، ومن المشاهد التي تذكر لعبد الرحمن بن عوف في الجهاد مشهدٌ حدث في |غزوة أحد| فلما تشتت جمع المسلمين يوم أحد وفرَّ مَن فر من الصحابة ومن المنافقين ثبت عبد الرحمن رضوان الله عليه في أرض المعركة وقال الحارث بن الصُّمة عن ذلك: 

سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو في الشعب: "هل رأيتَ عبد الرحمن بن عوف؟" 

فقلت: نعم رأيته إلى جانب الجبيل وعليه عسكرٌ من المشركين فهويتُ إليه لأصدهم عنه فرأيتك يا رسول الله فعدلت إليك.  

فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تمنعك"

فيقول الحارث: فعدتُ إلى عبد الرحمن بن عوف فوجدت بين يديه سبعةٌ صرعى، فقلت له: ظفرَت يمينك، أَكل هؤلاء قتلت؟ 

فقال عبد الرحمن: أما هذا فَلابن شرحبيل وهذان فأنا قتلتهم وأما هؤلاء فقتلهم مَن لم أره.  

فقلت: صدق رسول الله. 

وفي غزوة أحد انكسرت مقدمة أسنان عبد الرحمن وجرح أكثر من ٢٠ جرحاً، كان منها جروحاً في رجله حتى أنه اصيب بالعرج بعدها. 

 في دَومة الجندل 

كان عبد الرحمن أهلاً للثقة بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام، ففي شعبان في السنة الخامسة للهجرة بعث النبي عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن بن عوف على رأس سرية إلى دومة الجندل ليقاتل بني كلب بعد أن فرّوا من المواجهة، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ابنة ملكهم إذا فتح الله عليه، فأخذ عبد الرحمن اللواء وخرج على رأس ٧٠٠ رجل إلى دومة الجندل فمكث فيها ثلاثة أيام يدعو أهلها إلى الإسلام، فأسلم ملكهم الأصبغ بن ثعلبة فتزوج ابنته كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنجب منها. 

في غزوة تبوك  

في تبوك حدث أن صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء عبد الرحمن بن عوف، وهذا يعدّ من مناقب سيدنا عبد الرحمن في الإسلام أنه كان إماماً في الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهكذا كانت العلاقة بين عبد الرحمن والرسول عليه الصلاة والسلام جميلة جداً حتى مات حبيبنا المصطفى، ولكن استمراراً لعلاقة عبد الرحمن الطيبة التي كانت تجمعه برسول الله صلى الله عليه وسلم كان بارّاً بأمهات المؤمنين وكان هو الذي يُنفق من ماله الخاص على |زوجات الرسول| عليه الصلاة والسلام. 

أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف)
أعلامٌ من الصَّحابة  (عبد الرَّحمن بن عَوف) 
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر 
 
ظلّ عبد الرحمن بن عوف من كبار الصحابة في عهد سيدنا أبي بكر الصديق وحارب في حروب الردة، ثم أتى عهد سيدنا عمر فكان عمر بن الخطاب يستشيره في كل شيء ففي سنة ١٨ للهجرة أثناء خلافة سيدنا عمر كان يريد رضي الله عنه أن يخرج إلى الشام، فبَلغ عبد الرحمن بن عوف أن الطاعون كان منتشراً في الشام آنذاك فذهب عبد الرحمن ونصح عمر بن الخطاب ألا يذهب إلى الشام وذكّره بما كان قد قاله الرسول عليه الصلاة والسلام: "إذا سمعتم بهذا الوباء ببلدٍ فلا تقدُموا عليه، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا منه فراراً منه"، فعدَل عمر بن الخطاب عن وجهته اتباعاً لرأي عبد الرحمن.  

كما أن سيدنا عمر بعد الحوادث التي حصلت في نهاية عهده أوصى الصحابة الذين مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم أن يعقدوا مجلساً في بيت أحدهم ليختاروا خليفةً من بعده، وكان من ضمن هؤلاء الصحابة عبد الرحمن بن عوف وبالفعل اجتمعوا وتشاوروا في الأمر حتى اختاروا |عثمان بن عفان|، وكان سيدنا عبد الرحمن في عهد عثمان بن عفان كما كان في عهد عمر بن الخطاب رضوان والله عليهم أجمعين. 

في سنة ٢٤ للهجرة قام عثمان بن عفان باستخلاف عبد الرحمن على موكب كان للمسلمين وعلى رأسه أمهات المؤمنين خارج من المدينة إلى مكة بقصد |الحج|، فأمر سيدنا عبد الرحمن بخَيل أو جِمال لتركبهن أمهات المؤمنين وتقدموا الموكب، وعبد الرحمن بن عوف خلفهم لا يسمح لأحد بأن يقترب منهم. 

موقف يبين زهد عبد الرحمن بن عوف

من شدة ثقة عثمان بن عفان بعبد الرحمن عهِد إليه بالخلافة من بعده فحين أصاب عثمان المرض دعا كاتبه حَمرَان وقال له: "اكتب لعبد الرحمن العهد من بعدي" 

فكتب له وانطلق لعبد الرحمن فقال له:  "البشرى" 

فسأل عبد الرحمن: "وما ذاك" 

فقال له: "إن عثمان قد كتب إليك العهد من بعده"

فقام عبد الرحمن وذهب إلى المسجد النبوي وجلس بين القبر والمنبر وأخذ يدعو الله: "اللهم إن كان من توليتي عثمان إياي هذا الأمر فأمتني قبله"، أيّ زهدٍ هذا؟!

موقف حصل قبل وفاة عبد الرحمن يبين شدة ورعه 

عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: أن عبد الرحمن بن عوف كان صائماً، فأتى له بطعام فقال: "قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني وكفّن ببردةٍ إن غطِّي رأسه بدت رجلاه وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني ثم بسِط لنا من الدنيا ما بسِط، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا" ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام، أيّ ورعٍ هذا؟!

وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية مقالنا وسلطنا الضوء على بعض المعلومات في حياة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/26/2022 02:14:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو
 أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
رجلٌ بألفِ رجل، أول فارس في الإسلام، من السابقين الأوائل إلى الإسلام، أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بحبه، وهو المقداد بن عمرو.  للحديث عن هذا الصحابي الجليل والفارس الشجاع، وذكر لمحةٍ من حياته، تابع معنا المقال التالي. 

بدايةً مع والد المقداد بن عمرو وهو عمرو بن ثعلبة، والذي تورَّط بدمٍ في قومه إذ قتل شخصاً وصار مطلوباً للثأر، فقام بالهروب من قبيلته، والتجأ إلى حضرموت التي تقع في اليمن.  

بعد ذلك تزوَّج وأنجب المقداد، ثم كبر المقداد ووقع فيما وقع فيه أبيه من قبله، إذ تورط في مشكلةٍ في القبيلة التي كان يعيش فيها انتهت بقتله أحد الأشخاص، فقام المقداد بالهرب إلى مكة، وهناك قابلَ شخصاً يدعى| الأسود الزهري|، و لأنه كان صغير السنِّ قام الأسود الزهري بتبنِّيه، وأصبح الناس يطلقون عليه اسم المقداد بن الأسود، ولكننا نحن سنطلق عليه |المقداد بن عمرو| وذلك لما جاء في صريح النص القرآني:

بسم الله الرحمن الرحيم "ادعوهم لآبائهم" صدق الله العظيم.  

صفات المقداد بن عمرو  

كان المقداد بن عمرو رجلاً طويل القامة، عظيم البطن، كثيف شعر الرأس، مقرون الحاجبين، واسع العينين، مَهِيب الطلَّة، لحيته جميلة ليست بالكثيفة ولا بالخفيفة أو المتقطعة، من القلائل المشهود لهم بين العرب، ومن السابقين الاوائل للإسلام كما ذكرنا. 

 لم يهاجر المقداد بن عمرو مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك بسبب ارتباطه بالأسود الزهري، ولأن الفرصة لم تسنح له بالهروب من قريش والهجرة إلى المدينة المنورة. 

ليجد المقداد بن عمرو هو وشخصاً آخر كان مسلماً بالسر معه فرصةً للهرب من قريش أثناء إرسال سيدنا |محمد عليه الصلاة والسلام| للسرية التي اعترضت طريق قافلة قريش حين أراد |المهاجرون| ردَّ اعتبارهم بعد نهب قريش لجميع ممتلكاتهم التي بقيت في مكة، والتي كانت بقيادة سيدنا حمزة عليه السلام، وكنا قد ذكرنا ذلك بالتفصيل في مقالٍ سابق بعنوان "أعلام من الصحابة: |حمزة بن عبد المطلب| 

أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو
 أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر
  
 كما علمنا سابقاً أن السرية التي اعترضت قافلة قريش كانت سبباً في أول حرب يخوضها المسلمين مع قريش، وهي |معركة بدر| حيث كان يوم بدر يوماً  عصيباً جداً، ولكن بفضلٍ من الله سبحانه وتعالى، ووجود النبي عليه الصلاة والسلام، ورجال أكفاء حوله أمثال المقداد بن عمر كان النصر حليفهم. 

كان دائماً سيدنا عبد الله بن مسعود يقول عن المقداد بن عمرو في يوم بدر: لقد فعل المقداد مشهداً لَأَنْ أكون صاحبُه أحبُّ إليَّ مما في الأرض جميعاً، فما هو الموقف الذي فعله المقداد يوم بدر حتى يُقال عنه ذلك؟

 في يوم بدر اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة الكرام ليأخذ مشورتهم ورأيهم في الحرب، ثم طلب منهم الكلام، فتكلم أبو بكر وأحسنَ في كلامه، ثم تكلم عمر وأحسنَ في كلامه، ثم قام المقداد وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: "امضِ لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك ما قالت بني إسرائيل أنْ اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا ها هنا قاعدون، إنَّما نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون" 

وزاد على هذا الكلام بكلامٍ أشفى صدر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وطمأَنه بأن معه رجالاً يستميتون في الدفاع عن الإسلام، فابتسم النبي صلى الله عليه وسلم لكلامه ثم دعا له، وعلى صعيدٍ آخر دبَّ الحماس في صفوف المسلمين حتى قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: سيروا وأبشروا. 

كان الجيش آنذاك يحتوي على أكثر من نوع من الجنود مثل 

١- المشاة: وهم الذين يحملون السيوف والدروع والأشياء البسيطة فقط.  

٢- الرماة: وهم الذين يحملون القوس والسهم إضافةً للسيف والدرع إن أمكن.  

٣- الفرسان: وهم الذين يحملون السيوف والدروع راكبين على الخيول ليكونوا الأسرع في المعركة وبالطبع هم الأشد عرضة للخطر. 

فكان جيش المسلمين يوم بدر يحتوي على ثلاثة فرسان فقط، كان من ضمنهم المقداد بن عمرو والذي كان مقداماً جداً في تلك الغزوة، والكثير من الصحابة أثنوا على المواقف التي ظهرت منه أثناء الحرب. 

أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو
 أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  
تحدثنا  عن موقف المقداد بن عمرو الرائع  يوم بدر، وذكرنا كيف شهد له الصحابة مواقف رائعة ومقدامة في تلك الغزوة.  وللخوض في مواقف أخرى من حياة المقداد بن عمرو، فارس الإسلام   

 موقفٌ يدل على حكمة ورجاحة عقل المقداد بن عمرو

يتمثل هذا الموقف فيما قاله عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال 

جلسنا مع المقداد بن عمرو يوماً فمر به رجلٌ فقال له الرجل: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لوَددنا أنَّا رأينا ما رأيت، فقام المقداد إلى الرجل وبدا عليه الغضب وقال له:  ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضراً غيَّبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه، والله قد حضر رسول الله أقواماً كبَّهم الله على مناخرهم في النار لم يجيبوه ولم يصدقوه، أوَلا تحمدون الله إذ أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعرفون إلَّاه، مصدقين بما أتى به نبيكم، وقد كُفيتم البلاء بغيركم، والله لقد بعث الله النبي على أشد حالٍ بُعث عليه نبيٌّ في جهلٍ وجاهلية، ما يرون ديناً أفضل من عبادة الأوثان فجاء بالفرقان حتى إن الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً، ليفتح الله قفل قلبه للإيمان ليعلم أنه قد هلك من دخل النار فلا تَقرّ عينه وهو يعرف أن حميمه في النار. 

بهذه الكلمات البسيطة استطاع المقداد أن يعبر عن تصور قد يخطر في بال أي شخص منا، فكم من شخص يتمنى لو عاش على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو كان من أصحابه، والعديد من الأفكار التي تجول في بالنا، فهذا الموقف يجعلك تحمد الله أنك وجدت وولدت مسلماً في الأصل، وأنك لم تعشْ تلك الفتنة التي عاشها كثيرون قبلك. 

ُذُكِر للمقداد بن عمرو أنه شهد جميع المشاهد و|الغزوات مع الرسول عليه الصلاة والسلام|، كما أنه شهد فتوحات مصر والشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.  

أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو
 أعلامٌ من الصَّحابة المقداد بن عمرو  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  

موقفٌ يدل على حكمة المقداد بن عمرو

كان المقداد بن عمرو حكيماً عميق التفكير، إضافةً لشجاعته وفروسيته، فمن المواقف التي تُذكَر له: أنه في أحد الأيام ولَّاه الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الإمارات، ثم سأله كيف وجد الإمارة؟ 

فقال المقداد للرسول عليه الصلاة والسلام: لقد جعلتني أنظر إلى نفسي كما لو كنت فوق الناس، والناس جميعاً دوني، والذي بعثك بالحق لا أَأتمرَنَّ على اثنينٍ أبداً.  

وهذا على الرغم من أن المقداد كان كفئاً وأهلاً لمثل ذلك المنصب، لكن لمجرد أنه شعر بشيءٍ من الكبْر في نفسه رفض الوجود في ذلك المنصب بشكل قطعي، على الرغم من شدة محبة النفس للمناصب كما نعلم. 

هذا الموقف والموقف الذي ذكر في المقال السابق يبيِّنان أن المقداد كان رزين الفكر، عميق التفكير إضافةً لكل هذا كانت رغبة المقداد بن عمرو في نصرة الإسلام كبيرة و تفوق كل شيء.

كان المقداد في أحد الأيام ، قد خرج ضمن سرية تمت محاصرتها، فأمر أمير السرية ألا يرعى أحد دابته، ولكن أحد المسلمين قام بمخالفة ذلك الأمر، فقام الأمير بمعاقبته عقوبة شديدة لا يستحقها فعله البسيط ذاك، لدرجة شعور الرجل بالإهانة الشديدة، فوجده المقداد جالساً يبكي فأخذه من يمينه و انطلق به صوب الأمير، وأخذ يناقش الأمر بينهما وبيَّن للأمير خطؤه، ثم قال له: والأن أقدْه من نفسك ومكِّنه من القصاص، وبالفعل قام الأمير بما يجب فعله.  

وبعد ذلك قال المقداد بن عمرو:  لأموتنَّ والإسلام عزيز. 

مات المقداد بن عمرو في سنة ثلاث وثلاثين هجرية عن عمر يجاوز السبعين عاماً.

و في الختام لنذكر حديثاً حسن الإسناد عن المقداد بن عمرو وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله أمرني بحبِّ أربعة يحبهم: علي والمقداد وأبو ذر وسلمان. 

رواه الترمذي وابن ماجه. 

وبهذا عزيزي القارئ نكون قد وصلنا وإياك لنهاية هذا المقال من الحديث عن حياة الصحابي الجليل المقداد بن عمرو، وكما قلنا سابقاً فهذا المقال ليس إلا لمحة مختصرة جداً مما تيسَّر لنا ذكره. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة


مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/04/2022 03:10:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي
 أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  
استكمالاً لما ورد بالمقالة السابقة

بعد الكلام الذي قاله الرجل المسيحي لسيدنا سلمان عن النبي المنتظر قرر البدء برحلة البحث عن المكان الموصوف له للانتقال إليه والبحث عن النبي هناك.  

رحلة سلمان الفارسي في الوصول إلى المدينة المنورة

 صادف سلمان في أحد الأيام قافلةً عابرة فسألهم عن وجهتهم فأخبروه بأنهم ذاهبون إلى جزيرة العرب، فاقترح عليهم أن يأخذوه معهم إلى هناك مقابل أن يعطيهم كل ما يملك، وبالطبع وافقوا علي عرضه وأخذوه معهم، استمروا في المسير إلى أن وصلوا إلى مكانٍ يسمى وادي القرى، وهناك اجتمعوا عليه وخانوا وعدهم له وباعوه لرجلٍ من اليهود. 

ظلَّ سلمان على ذلك الوضع مستعبداً في وادي القرى عند سيده اليهودي لفترةٍ طويلة من الزمن، وفي إحدى المرات اشتراه يهوديٌّ من |بني قريظة| من سيِّده وأخذه معه، وكما نعلم إن يهود بني قريظة كانوا يقطنون يثرب فعندما وصل سلمان إلى مشارف يثرب لفته مظهرها وأخذ يطابق أوصافها مع الأوصاف التي ذُكرت له من قبل الرجل المسيحي فوجدها مطابقةً فقال في وصف ذلك المشهد: "فَوالله ما إنْ رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وُصفت لي" فعرف أنه وصل إلى المدينة المطلوبة، ولكن في ذلك الوقت لم يكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة بعد.  

في يومٍ من الأيام وبينما كان سلمان متسلقاً إحدى النخلات أثناء عمله عند سيده اليهودي سمع شخصاً من أقرباء سيده يكلِّمه في الأسفل وييخبره بمجيء شخصٍ إلى المدينة يزعم أنه نبي - وصف سيدنا سلمان هذا المشهد بعد حين بقوله "أول ما سمعته أخذتني العَرواء فارتجفت النخلة حتى كدتُ أسقط على صاحبها"- فنزل سلمان من أعلى النخلة بسرعة كبيرة كالبرق ليستفسر عن الخبر ولكن سيده قابله بقسوةٍ شديدة وضربه وقال له بألّا دخل له في الأمر. 

سيدنا سلمان في تلك اللحظة لم يكن يهتم بكلام سيده وصراخه، الشيء الوحيد الذي كان يفكر به ويشغل باله هو أنه كان مسروراً جداً

لأنه تيقن أنه في المكان الصحيح. 

وهنا ستبدأ رحلة سيدنا سلمان في البحث عن الحقيقة جولتها الثانية، وهي التأكد من أمر هذا الشخص الذي جاء إلى المدينة يدَّعي النبوة، هل حقاً يمتلك تلك العلامات الثلاثة التي أخبره بها ذلك الرجل المسيحي؟ هل حقاً سيكون هذا الشخص هو النبي الذي يبحث عنه سيدنا سلمان؟ 

أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي
 أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
بعد التقاء سيدنا سلمان بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد طول بحثٍ وعناء دعاه عليه الصلاة والسلام فجلس إليه سلمان و أخذ يحدِّثه بكل ما حدث معه بدءاً من أول حياته ولغاية اللحظة التي التقى فيها به، ثم أسلم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

بعد إسلام سيدنا سلمان قال له |الرسول عليه الصلاة والسلام| بأن يراسل سيده حتى يُحرَّر ويعتَق من العبودية، فكَاتَبَه وأُعتق من العبودية وأصبح حراً وواحداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.  

بعد خمس سنوات من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام كانت غزوة الخندق والتي تكلمنا عن تفاصيلها في مقالٍ سابق بعنوان: أعلام من الصحابة: سعد بن معاذ، ولكن ما نودُّ قوله هنا هو أنه حين اجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة للشورى واتفقوا على القتال والدفاع عن المدينة، صعد سيدنا سلمان على هضبةٍ عالية ونظر إلى المدينة من الأعلى فلاحظ ميزةً قويةً جداً تمتاز بها المدينة المنورة وهي أنها محاطةٌ بالجبال والصخور من جميع النواحي عدا فجوة واسعة أمام المدينة وهي الفجوة التي يستطيع من خلالها جيش المشركين الدخول إلى المدينة بكل سهولة، وهنا خطرت فكرةٌ ذكية في بال سلمان الفارسي الذي كان لديه معرفة جيدة جداً بفنون القتال والخداع في الحرب.  

وبالفعل تقدَّم سلمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم باقتراحٍ لم تعهده العرب من قبل وهو أن يقوم المسلمون بحفر خندقٍ أمام المدينة يغطي جميع المناطق المكشوفة فيها بحيث تكون المدينة محصَّنةً من جميع جوانبها، أُعجب النبي عليه الصلاة والسلام بالفكرة كثيراً وأمر الصحابة على الفور بأن يبدؤوا بحفر الخندق وبأسرع وقت، وقد كان جميع الصحابة وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفرون في الخندق. 

كان سيدنا سلمان قويَّ البنية إذ كانت ضربةٌ واحدةٌ منه على أكبر صخرة كفيلة بأن تجعلها شظايا مشتتة، ولكنه أثناء الحفر واجه صخرةً كبيرةً لم تنكسر معه بأي شكلٍ من الأشكال وباءت كل محاولاته لكسرها بالفشل لدرجة أن الصحابة عليهم السلام اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم تغيير مسار الخندق كله لأجل هذه المشكلة. 

فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟
وهل سيتغير مسار الخندق بسبب تلك الصخرة؟

أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي
 أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي  
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر 
 
 سنتابع الحديث  لنعرف مصير الصخرة الكبيرة التي عجز الصحابة عن تحطيمها أثناء حفر الخندق، ومن ثم ستنتهي هذه السلسلة بوفاة هذا الصحابي المغامر. 

عندما ذهب الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبروه بأمر الصخرة التي لم تنكسر واقترحوا عليه تغيير مسار الخندق ذهب عليه الصلاة والسلام ليعاين الصخرة

 وعندما رآها دعا بمِعوَلٍ وطلب من الصحابة الابتعاد عن مرمى الشظايا ثم سمَّى بالله ورفع كلتا يديه بالمِعوَل وهَوى على الصخرة فإذا بها تنشقُّ ويخرج من صدعها ضوءٌ وهَّاجٌ قال عنه سلمان الفارسي: 
"لقد رأيته يضيء جوانب المدينة"، ثم كرر النبي صلى الله عليه وسلم ضربه للصخرة مرةً والثانية حتى تفتت تماماً فهلَّل النبي صلى الله عليه وسلم وهلّل المسلمون من بعده

 وبهذا انتهى أمر تلك الصخرة وتم حفر الخندق.  

عندما وصل جيش المشركين الكبير إلى المدينة تفاجؤوا وانصدموا صدمةً كبيرةً مما شاهدوا، فعلى الرغم من أن حفر |الخندق| فكرة بسيطة إلا أنها لم تكن معهودة ومتوقعة أبداً عند العرب، وهكذا كانت فكرة سيدنا سلمان أحد أسباب انتصار المسلمين في غزوةٍ سُميت باسم فكرته |غزوة الخندق|. 

شهد سيدنا سلمان الفارسي كل الغزوات مع النبي عليه الصلاة والسلام، وكان عليه الصلاة والسلام عالماً بفطنة سلمان فعلّمه الكثير من العلم وكان يطري على خلقه وعلمه. 

أمدَّ الله تعالى بعمر سيدنا سلمان حتى عاش في عهد أبو بكر وعمر وعثمان عليهم السلام، في الفترة التي تلت وفاة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كانت المسؤوليات ثقيلة على كاهل الصحابة وذلك لأنها كانت فترة انتشار للإسلام وتحديات كبيرة للصحابة في أن يستطيعوا نشر الإسلام بعد وفاة سيدنا محمد، وكان بيت مال المسلمين بحاجة كبيرة للمال فكان سيدنا سليمان معطاءً جداً في ذلك إذ كان يقول: 
"أشتري خصوصاً بدرهم ثم أعمَله فأبيعه بثلاث، فأعيد درهماً فيه وأنفق درهماً على عيالي وأتصدق بالثالث، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت".

ومع مرور السنين تقدّم سيدنا سلمان في العمر

 وأصبح على فراش الموت فدخل عليه سعد بن أبي وقاص فبكى سلمان  ،فقال له سيدنا سعد: "ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ لقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنك"
 
فأجابه سيدنا سلمان: "والله ما أبكي خوفاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهِد إلينا عهداً فقال ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وها أنا ذا حولي هذه الأساود" بمعنى أشياء كثيرة 

فقال سعد: "فنظرت حولي فما وجدت إلا جفنةً ومطهرة، فقلت له يا أبا عبد الله اعهد إلينا بعهدٍ نأخذه عنك" 

فقال سيدنا سلمان: "يا سعد اذكر عند الله همتك إذا هممت، وعند حكمتك إذا حكمت وعند يدك إذا أقسمت". 

توفي سيدنا سلمان على فراشه لتنتهي  بوفاته حياةٌ كانت مليئة برحلات البحث عن الحق، حياة كانت مليئة بالصعوبات والمغامرات. 

وهكذا عزيزي القارئ يكون مقالنا المتواضع جداً في تسليط الضوء على بعض الجوانب من حياة الصحابي سلمان الفارسي قد اتتهى، أرجو أنه كان مفيداً بالنسبة لك. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/31/2022 02:31:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله
 أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله 
تصميم الصورة : ريم  أبو فخر 
أحدُ العشرة المبشَّرين بالجنة، أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، جار النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه شهيدٌ يمشي على الأرض، وأحد الرجال أصحاب الشورى الذين اختارهم سيدنا عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده. 

إنَّه  طلحة بن عبيد الله، لأخذ فكرة عن حياة هذا الصحابي الجليل تابع معنا المقال التالي. 

ولادة طلحة بن عبيد الله وصفاته

وُلِد طلحة بن عبيد الله في مكة المكرمة قبل الهجرة النبوية بجوالي ٢٨ سنة، وكان طلحة كثيرُ الشعر، حسنُ الوجه، أبيض الوجه مع حُمرة. 

قصة إسلام طلحة بن عبيد الله

كان طلحة في رحلة تجارية  إلى |البصرة|، وفي أثناء الرحلة قابل راهب سأله عن بلده، فأجابه طلحة بأنه من مكة، فقال له: سيظهر نبي في مكة وهذا هو زمنه، فاستبشر طلحة وعاد بالموكب إلى مكة ليجدها بالفعل على غير حالها، الناس جميعاً يتكلمون عن محمد الصادق الأمين الذي شَرَع يدَّعي النبوة ويقول بأن وحياً يُرسَل إليه وأن هناك رسالة قادمة إلى العرب خاصةً والناس عامةً، فأراد طلحة التأكد من صحة ما سمعه وفيما إذا كان محمد قد قال هذا بالفعل، فذهب لسيدنا أبو بكر وسأله عن الأمر فأجابه مباشرةً بأنه أسلمَ واتبع محمد، ثم أخذ سيدنا طلحة يفكر ويقول في نفسه

"هذان الرجلان لا يلتقيان في شرٍّ أبداً، ولا يجتمع الاثنان على ضلالةٍ أبداً، وقد بلغ محمدٌ الأربعين من عمره فما عهدنا عليه طيلة هذا العمر كذبةً واحدة، أَحين يكذب يكذب اليوم وعلى الله!  ويقول إنِّي أُرسِلت وأُرسل إليَّ وحي".

هكذا كان سيدنا طلحة يفكر ويتحاور مع نفسه، ثم إنه لم يجد أي مبرر يجعل شخصاً مثل محمد يكذب ويفتري، ولا شخصاً مثل أبو بكر يصدِّقه ويشدَّ على يده ويؤمن به سوى أن يكون ما جاء به محمد هو الحق وأنه رسولٌ من عند الله الواحد، فذهب سريعاً إلى بيت سيدنا أبو بكر ولم يُطِل عنده لأنه كان مشتاقاً لرؤية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فصَحِبَه |أبو بكر| إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليُسلم طلحة بن عبيد الله بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام. 

وهكذا كان سيدنا طلحة من السابقين الأوائل إلى الإسلام

أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله
 أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر
 سيدنا طلحة بين يدي رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بعد تفكير عميق في محاولة البحث عن الحقيقة

على الرغم من ثراء سيدنا طلحة الكبير في مكة وتجارته القوية وأمواله وثرواته الكثيرة إلا أن كل هذا لم يشفع له عند| قريش| إسلامه ولم يكن مانعاً لهم من اضطهاده كغيره ممَّن كان يسلم، ولكن سيدنا طلحة كان من المحظوظين إذ كانت تجارته مستمرةً بشكلٍ دائم، فكما قلنا أنه حين أسلم كان عائداً من إحدى رحلاته التجارية في البصرة وبعد إسلامه مباشرةً كان لديه رحلة تجارية إلى الشام، فأسلم وخرج في رحلته.

طلحة بن عبيد الله والهجرة

أثناء عودة طلحة من رحلته في الشام قابل النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر رضي الله عنه في عرض الصحراء فسألهما عن السبب، فأخبراه بأمر الهجرة إلى |يثرب|، أهداهما من كسوة أهل الشام التي أحضرها معه وأكمل طريقه إلى مكة، وعندما وصل إلى مكة ذهب إلى آل بيت سيدنا أبو بكر، أخذهم وخرج بهم إلى المدينة المنورة، وهكذا كانت هجرة طلحة بن عبيد الله مع آل بيت سيدنا أبو بكر إلى المدينة. 

طلحة بن عبيد الله وغزوة بدر 

على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، ذلك اليوم العصيب على المسلمين كان بحاجةٍ لكل فردٍ أن يكون معه في الحرب ويسانده إلا أنه عَهد لطلحة وسعيد بن زيد إنهاء مهمةٍ أخرى بعيداً عن المشاركة في الغزوة، فلم يشهد سيدنا طلحة غزوة بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم. 

عندما عاد طلحة وسعيد من مهمتهما إلى المدينة كان الجيش قد عاد منتصراً من غزوة بدر فأصابهما الألم في نفسيهما أن يكونا قد فوَّتا أجر المشاركة مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ من الغزوات، وليست أي غزوة، إنها الغزوة الأولى، أول حرب في الإسلام ضد الكفر والشرك، فطمأنهما النبي صلى الله عليه وسلم بأن لهما مثل ثواب الذين شاركوا في غزوة بدر، وقسم لهما من الغنائم مثل المحاربين والمقاتلين في ساحة الحرب.  

أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله
 أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر
  
بعد الحديث عن هجرة سيدنا طلحة ثم عدم مشاركته في غزوة بدر، سننتقل  إلى الحديث عن |غزوة أُحد| وبعض الألقاب التي أطلقها النبي عليه الصلاة والسلام على هذا الصحابي المقدام. 

طلحة بن عبيد الله وغزوة أُحُد

كما نعلم من مقالاتٍ سابقة تم الحديث فيها عن غزوة أُحد، أن وطأتها كانت شديدة جداً على المسلمين، ففي ذلك اليوم أخطأ الرماة وخالفوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم بألَّا ينزلوا من الجبل في أي حال إذ اعتقدوا أن الحرب قد انتهت فنزلوا ليجمعوا الغنائم، فاستغل الكفار نزولهم وعاودوا مهاجمة المسلمين مرةً ثانية بشكلٍ أشد وأعنف فتشتت جمع جيش الإسلام، وعندما رأى سيدنا طلحة ذلك بدأ فوراً يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجده قد زلَّت قدمه في حفرة فكان كالصيد السهل بالنسبة للمشركين، فركض على الفور لكي يلوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم كل اعتداءٍ يهاجمه ويصدَّ عنه كل ضربةٍ تأتيه، وبالفعل دافع عن سيدنا |محمد صلى الله |عليه وسلم أفضل دفاع حتى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت عنه:  

"كان أبو بكر إذا ذُكر يوم أُحد قال: إن ذلك كله كان يوم طلحة، كنت أول مَن جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لي ولأبي عبيدة بن الجراح: دونكم أخاكم، فنظرنا إلى طلحة فإذا به بضعٌ وسبعون طعنةً أو ضربةً أو رمية وإذا بإصبعه مقطوع فأصلحنا من شأنه". 

هذا ما فعله طلحة في يوم أُحد، موقفٌ شجاعٌ يستحق أن يقال عنه ما قيل. 

طلحة الخير

شهد سيدنا طلحة كل الغزوات مع الرسول عليه الصلاه والسلام وكان دائماً في مقدمة الصفوف يبغي وجه الله ويحارب في سبيله ويفتدي راية رسوله وروحه، حتى لقَّبه النبي صلى الله عليه وسلم بطلحة الخير. 

طلحة الجَواد

كان سيدنا طلحة عليه السلام شديد الكرم والعطاء، وقد كان كما ذكرنا سابقاً ثرياً جداً فكان كلما طلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مالاً لبيت مال المسلمين من أوائل الناس المتبرعين، كما كان يُنفق من ماله بغير حساب، فلقَّبه النبي صلى الله عليه وسلم بطلحة الجواد، ومما ذُكر عن زوجته أنها قالت:  

"دخلتُ عليه ذات يومٍ فرأيته مهموماً فقلت له: ما بك؟ فقال: المال الذي عندي قد كَثُر حتى أهمَّني وأكرمني، فقلت: ما عليك اِقسمه، فقام ودعا الناس وأخذ يقسم منه حتى لم يتبقى منه درهمٌ واحد". 

عطاءٌ لا يوصف وموقفٌ جليلٌ جداً من سيدنا طلحة وزوجته أيضاً.

أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله
 أعلامٌ من الصَّحابة طَلحَة بن عُبيد الله 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر

طلحة بن عبيد الله وفتنة عثمان

أمدَّ الله في عمر سيدنا طلحة حتى شهد فتنةٌ كانت من أصعب الفتن على الصحابة عليهم السلام وهي فتنة |عثمان بن عفان|.  فكان موقف سيدنا طلحة مؤيداً للمعارضين لسيدنا عثمان وكان يزكِّي ما يريده المعارضون، لكن سيدنا طلحة لم يكن يتخيل أبداً أن يصل الموقف لما وصل ويؤدي لاستشهاد سيدنا عثمان وهو لم يشترك على الإطلاق بأي شكلٍ من الأشكال في قتل سيدنا عثمان بن عفان سواء أكان تحريضاً أو دعماً أو مشاركةً فعلية في قتله.  

بعد استشهاد عثمان بن عفان بدأ سيدنا |علي بن أبي طالب| بأخذ البيعة من المسلمين فأخذها من طلحة والزبير بن العوام، ثم استأذناه حتى يخرجا في عمرةٍ إلى مكة، ومن مكه ذهبا إلى البصرة وفي ذلك الوقت في البصرة كان هناك جماعة تتشكَّل للأخذ بثأر عثمان بن عفان، ووقعت |موقعة الجمل| التي التقى فيها فريقين: الفريق المطالب بدم عثمان بن عفان والفريق المناصر لعلي بن أبي طالب، وأثناء اصطدام الفريقين لاحظ سيدنا علي وجود طلحة والزبير في الجيش المقابل المطالب بالثأر لعثمان، فطلبهما وتحدث معهما. 

استشهاد طلحة بن عبيد الله

بعد الحديث مع الإمام علي اقتنع طلحة والزبير بأن عليهما ألا يشارك في هذه الفتنة والحرب على الإطلاق وبالفعل انسحبا منها، ولكن للأسف انسحاب طلحة والزبير من تلك الحرب كان إعلاماً بنهاية حياتهما فقد تم اغتيال الصحابيان ليستشهدا في سبيل الله. 

شارك الإمام علي كرَّم الله وجهه في دفن طلحة والزبير ولما انتهى ودَّعهما قائلاً:

'اللهم إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان من الذين قلت فيهم:  

بسم الله الرحمن الرحيم "وَنَزَعْنَا مَا فِيْ صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِيْن" صذق الله العظيم 

ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 

'طلحة والزبير جاريَّ في الجنة"

وهكذا كانت نهاية حياة طلحة بن عبيد الله في زمن الفتنة. 

بالطبع حياة سيدنا طلحة كان فيها الكثير من التفاصيل المهمة التي لم يسعنا ذكرها هنا، ولكن كما نقول دائماً هذا ليس إلا باباً للدخول منه إلى عالم هذا الصحابي والقراءة عنه وعن سيرته بالتفضيل. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 11/11/2021 03:59:00 م

 الخنساء شاعرة الرثاء

الخنساء شاعرة الرثاء
 الخنساء شاعرة الرثاء
تصميم الصورة وفاء المؤذن 

نبذة عن حياتها

هي تماضر من قبيلة بني سُليم، كانت تحب الشعر وتقرضه ،وكانت سيدة الشعر في عصرها.


رثاء أخويها

عاشت الخنساء في بيئة صحراوية، تكثر فيها الحروب والمغازي، وكانت قبيلتها لها ثأرٌ مع بقية القبائل ،

وكان لها أخوين من أشجع الرجال بين القبائل، هما معاوية وصخرا.

وفي إحدى الغزوات قتلا الأخوين في ساحة المعركة،فبكتهما شهورا وسنينا.

من شعرها المرثي

أعينيّ جودا ولاتجمدا.         ألاتبكيان الصخر الندى

ألاتبكيان الجريء الجميل.    ألا تبكيان الفتى السيدا

إسلامها:

لما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر الإسلام في رحاب الجزيرة العربية، جاء وفد بني سُليم إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعهم الخنساء، فأسلمت وحُسن إسلامها وبايعت الرسول ،

وتخلت عن رواسب |الجاهلية|، وكفث عن النوح والبكاء على أخويها عندما نهاها الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذلك.

في حضرة الرسول عليه السلام:

كانت الخنساء تغشى مجالس| الرسول| تستقي منه العلم، وتسمع آيات الله البينات، فكانت تلك الآيات مفاتيح خيراً لها.

وكان الرسول عليه السلام يستنشدها الشعرا فتجود في حضرته بأجود الأشعارا.

تربية أبناءها الأربعة:

ربت الخنساء أولادها على مُثل وأخلاق دين| الإسلام|، وبعثت فيهم روح الفداء والجهاد، فكانت شرفٌ للأمومة المسلمة.

معاصرة الخنساء للصديّق والفاروق:

عاصرت الخنساء خلافة |الصديّق|، وشهدت رايات |الفتح الإسلامي |ترفرف في الآفاق لنشر رسالة التوحيد، وتنقل العباد من الظلمات إلى النور.

وفي عهد الفاروق انطلقت جيوش الإسلام لتحرير العراق من الفرس المجوس، فدفعت بأبناءها الأربعة في خضم الجيش تحثهم على الجهاد و تذكرهم بأن الشهادة مفتاح الجنة وأن النصر من عند الله.

استشهاد أولادها الأربعة:

خاض أولادها معركة |القادسية |بإقدام وشجاعة لايهابون الموت، 

متذكرين وصية أمهم الخنساء (اغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائكم مستنصرين، تظفروا بالفتح والكرامة في دار الخلد والكرامة) 

فشقوا ميدان المعركة ببسالة وأعملوا في العدو سيوفهم فكانت بتّارة،

 وفي المعركة نالوا شرف الشهادة 

فلما وصلها نبأ استشهادهم، قالت بإيمان عميق: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو أن يجمعني الله بهم في مستقر رحمته.


 وختاماً بشرى من رب العالمين، 

قوله تعالى: ولاتحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتابل أحياء عند ربهم يُرزقون.  


  رحم الله الخنساء ورحم الله أبناءها الشجعان .


✍🏻  بقلمي هدى التبان 

يتم التشغيل بواسطة Blogger.